• امْحَمَّدْ

    امْحَمَّدْ الهَمّْ

    يحكى انه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان رجل كان له ولد تعيس وشقي  يدعى امحمد ، ولكثرة تعاسته وشقائه سماه الناس" امحمد الهم " . وفي احد الأيام وقع بينه وبيه أبيه خصام شديد فحمل أمتعته وساق قطعانه وعزم على هجران الدوار إلى بلاد أخرى، وفي طريقه وجد جروة صغيرة ضعيفة مرمية على قارعة الطريق تكاد تهلك جوعا وعطشا ، فأشفق منها وأطعمها وسقاها ووضعها في أحماله وواصل المسير.

    وبعد ساعة أو ساعتين من ان السير حاول تفقدها ليرى هل ماتت أم ما زالت حية، فوجدها بصحة جيدة وقدت استعادت قوتها ،وفاجئه حجمها الذي بدا يكبر بسرعة ..ثم أطعمها ثانية  وواصل السير.

    وبعد طول مسافة بدا الجمل الذي يحمل تلك الجروة الصغيرة في التعثر وتثاقلت خطاه ،وتخلف عن القطيع ..فحاول امحمد الهم ان يرى ما به ،ففك عنه أحماله وطرحها أرضا وإذا بالجروة الصغيرة تنتفض من وسط الأحمال وقد أصبحت غولة عظيمة أنيابها بارزة ورائحتها نتنة ومقرفة، وكانت هي سبب تعثر خطى الجمل ، وقالت لمْحَمَّدْ الهم : يا امحمد الهم ألان حضرت ساعتك   لقد أنهكني الجوع ، ومنذ عهد طويل لم تنفع حيلتي هذه في الإيقاع بمغفل مثلك . أما امحمد الهم فقد امتقع لونه وارتعدت مفاصله ، وندم على هجر أباه ودواره وعلى حمله تلك المصيبة ،لكن الوقت الآن ليس للندم بل عليه ان يدبر أمرا ينجيه أو يربحه بعضا من الوقت  ، فقال لها:أما أنا فقد أنهكني السفر وبرزت عظامي، فأنت والغنم، فاتت على كل القطيع ولم تترك منه حملا واحدا، فجاءته، فقال لها: أنت والأبقار. فاتت على قطيع الأبقار ، ثم الماعز ثم الإبل..

    ولم تترك له شيئا يدب غيره  فقالت له :لقد حان دورك وستكون خير ختام لهذه الوليمة ، قبل ان أعود جروة صغيرة  كما كنت بانتظار مغفل أخر مثلك.

    فنظر يمنة ويسرة ، ورفع بصره إلى السماء وطلب الله سبحانه وتعالى ان  يجد له مخرجا من هذه المصيبة، وبينما هو على حاله تلك مسح الأفاق بعينيه فرأى جبالا بعيدة و بها أحجارا بيضاء  فقال لمامّا غولة: انظري إلى تلك الجبال ، كيف يعقل ان تعودي جروة صغيرة وضعيفة قبل ان تنعمي بما بها من أغنام ، (وأراها الأحجار البيضاء) اذهبي إليها أولا وستجدينني انتظرك هنا.

    وذهبت إلى تلك الجبال البعيدة وانطوت عليها حيلته، ولما وصلت لم تجد غير أحجار بيضاء صماء فاستشاطت غيظا عليه ،وأقسمت ان لا تتركنه أبدا حتى يدخل معدتها ، ثم قفلت راجعة من حيث أتت.

    وفي ذلك الوقت كله تسلق امحمد الهم شجرة عالية ووضع فوقها سلهامه،  و رجع عند والده ، هذا ما كان من أمره.

    أما مامّا فقد رجعت والشرر يتطاير من عينيها ، ولما رأته فوق تلك الشجرة العالية تهددت وتوعدت وحاولت ان تصعد إليه لكن جسدها الكبير الثقيل كان يمنعها من ذلك ، فقلعت الشجرة من جذورها فسقط السلهام خاويا إلا من بعض القش وأوراق الشجر فازداد حنقها وسخطها وبدأت بتمزيقه إربا إربا ، وأخذت منه قطعة  تهتدي برائحتها إلى امحمد الهم ،واقتفت بذلك أثار رائحته إلى ان وجدته  ، ولما شارفت على الدوار تحولت إلى فتاة جميلة ذات حسن وجمال وكأنها البدر ليلة أربعة عشر، فاجتمع عليها شبان الدوار بما فيهم امحمد الهم (لم يعرف أنها هي مامّا غولة) كل يرجو ودها ويريدها لنفسه زوجة وخليلة ، فقالت لهم بتعفف ولباقة: يا معشر الشباب لقد تساويتم في الحسن جميعا ولن أستطيع ان اختار هذا دون هذا والآن حتى أرضي نفسي وأرضيكم سأضع لكم رهانا ومن ربحه سيكون عريسي وأكون له عروسا :سأجلس بعيدة منكم بضعة أمتار ومن أفلح في القفز من فوقي دون ان يلمس شعرة من راسي فقد ربح  .

    فتراضوا بشرطها فتتابعوا الواحد تلو الأخر دون ان ينجح احد في كسب الرهان ، حيث أنها كانت تعلو كلما حاول احد ان يظفر بها ، إلى ان وصل دور من تنتظره (امحمد الهم) فانحدرت حتى التصقت بالأرض وربح الرهان ، ففرح فرحا شديدا بعروسه الجميلة الحسناء،وتزوجها على سنة الله ورسوله،وأنجبت له طفلة جميلة، دون ان يعرف أنها غولة ، أما هي فأنها كانت تتحين الفرص للإيقاع به.

    وكانت النساء في الدوار تعملن على إدارة رِحِيِّهن ليلا لطحن الحبوب لتوفير مؤونة الغد ، وكانت الغولة تستغل هذه الفرصة ـ حيث ينام الكل على هدير الرحي ـ فتترك رحاها وتذهب إلى الزريبة لتفترس خروفا أو خروفين ، وفي الصباح بدت آثار الدم باقية في الزريبة فضن والد امحمد الهم ان الذئب هو الذي  فعل الفعلة تلك  ، فقرر ان يحرس أغنامه في الليلة المقبلة ، أما الغولة فبقيت نائمة حتى منتصف النهار، ولما جن الليل  تستر الوالد بسلهامه واندس وسط القطيع ، فجاءت كعادتها بعدما أدارت رحاها قليلا ورأته وسط الخرفان فظنت انه خروف سمين كبير فتحولت من فتاة حسناء إلى غولة بشعة الخلقة،نتنة الرائحة أمام مرأى من عينيه ومسمع من أذنيه،وحاولت الانقضاض عليه  لكنه سرعان ما اخرج من تحته هراوة فعرفت انه هو وفرت مذعورة وكانت تخاف منه خوفا شديدا  .

    وفي الصباح حكى الأب لابنه هول ما رأى ، وشاع خبرها في الدوار وذاع ،غير ان محمد الهم كان تحت وطأة حسنها وجمالها ،فظن ان ما قيل ويقال عنها ما هو إلا من تدبير الحساد ، وكيف لا تُحْسَد وهي من أجمل النساء ، وكيف لا يُحْسَدَ وقد تزوج  امرأة لم يستطع ان يظفر بمثلها غيره من شبان الدوار،بل كيف يمكن لحسناء جميلة أسنانها مثل الدر  ان تفترس الخرفان والماعز..

    ورحل الدوار إلى بلاد أخرى ليأمن شرها ، بما في ذلك أبوه، بعدما حاولوا جهد إمكانهم معه بالنصح والإرشاد، أما هو فانه ظن في نفسه  ان ذلك من تدبير الحساد وبقي مع زوجته ، وقطيعه في تلك الأرض. هذا ما كان من أمر دواره و والده.

    أما ماما غولة  فبعد رحيل الدوار فرغ لها المكان وصفا لها الجو بعد انتظار طويل ، وعادت إلى صفة الغولة ودخلت على امحمد الهم ، فلما رآها كذلك أدرك مدى غلطته ،وندم على تركه لذويه مرة ثانية ، ولكن الندم لا ينفع في مثل هذه الظروف . فقالت له : لقد استنفذت كل حيلك يا امحمد الهم ، و الآن فأنت لا محالة ستدخل معدتي .

    فاتت على القطيع كله ، وجاءت ساعته فقالت له ذات صباح : يا امحمد  سأذهب لأسقي الماء من الساقية وساترك لك ابنتي   فان عدت ووجدتها تبكي افترستك وان وجدتها ساكتة افترستك . فأطرق يبكي على نفسه وعلى الشؤم الذي حل به فبكى وتحسر، وتضرع إلى الله واستغفر..وفجأة جاءه طائران مثل الغرابين فقالا له :مالك يا محمد تبكي وتنتحب و ما الوقت الآن للبكاء، فنحن مبعوثان من ملك جن هذه المنطقة وهو ملك عادل وقد رأى ما فعلته معك تلك الغولة من جور فبعث بنا إليك لمساعدتك عليها ، قم فاحفر حفرة كبيرة واجمع الحطب و اضر مالنا فيه وسط تلك الحفرة...أما نحن فسنعمل على إضاعة وقتها حتى يتسنى لك فعل ذلك كله.  وذهبا إلى الساقية وبدءا في نقر ماما غولة تحت إبطيها فتستسلم للضحك أو في انفها فتعطس عطسا شديدا وترمي ما بشدقيها من ماء .

    أما امحمد فقد فعل ما قاله له الطائران وتوهج الجمر في الحفرة ، وغطاها بزربية كبيرة واصطاد عددا كبيرا من الأرانب والحجل  ووضعه فوقها . ولما عادت الغولة وجدت ابنتها نائمة في دعة وأمان فقالت له : يا امحمد ان ابتني نائمة  ولا تبكي سأفترسك الآن ولا حيلة لديك. فرد عليها : لقد استغليت فرصة نومها  فاصطدت لك بعض الأرانب والحجل إنها مطروحة فوق تلك الزربية  فدونك و إياهم وبعد ذلك سأكون طبقا شهيا  لك. عرفت إنها حيلة منه لكن معدتها لم تقاوم الرغبة الجامحة الى تلك الأرانب وأفراخ الحجل، فارتمت عليها وسقطت في الهاوية، وبذلك تخلص منها إلى الأبد ، وحمل ابنته فوق قفاه  وهجر تلك البلاد يبحث عن دوار أبيه هذا ما كان من أمره أما أنا فسألقاكم ان شاء الله  في حكاية أخرى، وخُبَّيْرتِي مْشاتْ مْع الوَادْ الوَادْ وأَنَا ڮْلَستْ مْعَ أُولادْ الأَجْوَادْ.          

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>


  • Commentaires

    Aucun commentaire pour le moment

    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :