• هذيان

    هذيان

    " ولِّيتْ للعْصَارَة شَهْدَة صَفَّاوْا مْنْ امْصَالِي×صَابُوهْ قُوتْ وَ دْوَا للذَّاتْ الفَانِيَة الْعْلِيلاَ

    و مْنْ امْصَالِي صَفَّاوْا شْمَاعِي يَاللِّي  صْغا لِي×وْ حْكَايْتِي للْقُدَّام القصة بَاقْيَا طْوِيلَة "

    صوت جيل جيلالة يصدح عبر رنات الهاتف، وددت لو طال رنينه، لكن رغبتي في معرفة من يتصل بي في ساعة متأخرة من الليل كانت أقوى، ضغطت على زره الأخضر، كانت جنڨياڨ كعادتها، قالت لي بفرنسية تغلب عليها لكنتها الإيطالية : اليوم التقيت بالرئيس ساركوزي ودعاني للعشاء معه في الإيليزي..، عرفت أنها تهذي وتهلوس، جنڨياڨ مثل بومة أو خفاش تنام النهار وتستيقظ الليل ، خنقت صوتها ومعه الجوال لكي لا تعاود إزعاجي مرة أخرى، حاولت أن أغفو من جديد لكن عبثا، قفزت من فراشي وأشعلت الحاسوب لأرقن بعض الملفات..تراءت لي في خلفية شاشته قريتي الجميلة أيت عمار جامدة خرساء خلف الزجاج ، وندوب الماضي وجراحاته بادية على وجهها مثل أرملة شاخت قبل الأوان، قرأت في سطورها وقسماتها ذكريات زمن ولى وفات، وبطولات مشربة بالدم والدموع، وتخيلتُني أجوب إحدى شوارعها الفسيحة، والذي أطلق عليه اسم شهيد من شهدائها، مليء بالناس والباعة، و روائح المأكولات المنبعثة من مطاعمه الشعبية، ألتقي بشرائح من البشر تجانست وتصاهرت فيما بينهما بعدما جاءت تعمل في منجم الحديد، أما هذا الأخير فقد تطورت آلياته مع تطور الزمن، وتحولت منشآته القديمة لرموز أثرية تجلب السياح والزوار، وغير بعيد عنه  هناك محطة القطار، والإدارة العامة للمنجم.. ومن شارع لآخر  إلى ان استوقفني نصب تذكاري مكتوب عليه : 20غشت 1955 بأحرف كبيرة ومذهبة وتحتها قائمة بأسماء أناس بذلوا حياتهم دفاعا عن الكرامة :

    - الشهيد بن محمد بن الحسن

    - الشهيد أحمد ولد الحاج العربي ولد رقية

    - الشهيد الحاج بوعزة ولد بداد

    - الشهيد المصطفى ولد سيدي أحمد الأعمى

    - الشهيد ولد بلعطار

    - الشهيدان ولدا الشيخ بن الطيبي

    - الشهيد الفقيه الحافظ لكتاب الله ولد الحسن بن التهامي

    و آخرين، ترحمت على أرواحهم الطاهرة الزكية، وقلت في نفسي إن للحرية ثمن يدفع من حياة الشعوب .

    غادرت تلك الصور مخيلتي تدريجيا، مثل مدينة لفها الضباب، وعادت الصورة الجامدة المحنطة تطالعني من جديد وتردني بعنف إلى الواقع، ولم تتركني طويلا أعيش ما لا يمكن أن يكون..ليبقى الحلم حلما مهما طال أو قصر، وتبقى قريتي الحبيبة تعاند الجفاء و النسيان . أطفأت حاسوبي وعدت إلى فراشي أعاند الأرق، تمنيت لو تعاود جنڨياڨ الاتصال فهذيانها أرحم بي من شوق عقيم، وذكرى مؤرقة، وأماني مستحيلة.  

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>


  • Commentaires

    Aucun commentaire pour le moment

    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :