• احْدَيْدَّانْ

     

     

    احْدَيْدَّانْ لَحرَامي

    يحكى أنه كان في قديم الزمان في إحدى البلاد رجل حكيم وكان له ابن يدعى حديدان، وذات يوم قرر الرحيل إلى مكان آخر فصحب ابنه وساق إبله  و مشيا في حر الهاجرة، ولما بلغ التعب من حديدان  مبلغه قال لأبيه : إني تعبت يا أبت من المشي، فهلا أركبتني على إحدى جمالك، فقال له: يا ولدي أنت عزيز كثيرا عندي ولكن الجمل الأصفر أعز منك، ثم سارا مسافة طويلة ، فقال لأبيه : إني أريد الركوب على الجمل الأبيض، فرد أبوه : كم أنت عزيز عندي لكن الجمل الأبيض أعز منك، واستمرا على تلك الحال وكلما طلبه الركوب إلا وأجابه  بما سبق، إلى ان دار دورته على كل الجمال، وكل ومل ..فقال : يا أبت لقد تورمت قدماي ولم تعد لي على المشي طاقة وهذا فراق بيني وبينك، فأعطاه أبوه "المِخْيَطْ"(شكلها شكل الإبرة لكنها اكبر منها حجما وتستعمل لخيط الخيام ..) و"الأشفى" ( رأسها حاد ولها قبضة من عود وتستعمل في عملية الخرازة) والإبرة وتركه و واصل المسير، هذا ما كان من أمره.

    أما احْدَيْدَّانْ فإنه استراح قليلا ثم واصل السير عله يجد بناءا أو عمرانا يلتجأ إليه أو يحتمي به ..ولما أعياه المشي وجن عليه الليل ولم يعد يدري أين يتجه ولا أين يذهب ..فكر فيما أعطاه إياه والده من أدوات، فأخذ الأشفى وغرزها في الأرض فإذا هي دار فسيحة الأرجاء عالية الشرفات، ثم غرز المخيط  فأصبحت سقفا ونوافذ و أبوابا، وأخيرا غرز الإبرة فكانت أثاثا ولباسا من كل ما تشتهيه الأنفس فنام نوما هادئا ومريحا بعد طريق مضنية ومتعبة.

    وكان بالمكان غولة تستحوذ عليه وتراقبه ولا تترك أحدا يدخل إليه إلا افترسته، وفي الصباح لما رأت دار حديدان استشاطت غضبا وتهددت وتوعدت باقتلاعها من جذورها والفتك بمن بها شر فتكة، لكنها لم تصمد أمام قوة جدرانها وصلابة أبوابها ونوافذها، كل هذا وحديدان جالس يتفرج من الداخل وهو مستغرق في الضحك، وكانت لها ابنة في مثل عمره ، وجحش تسقي عليه الماء، فكان حديدان يستيقظ في الصباح الباكر فيذهب للبئر فيسقي الماء العذب ولا يترك لها غير العكر ويركب على ذلك الجحش  حتى يتعبه، و حينما تستفيق ماما غولة  يزداد حنقها، فمنذ مجيئه تكدر ماؤها..واستمر على تلك الحال أياما عديدة.

    أما ماما غولة فإنها لما عجزت عن أخذه بالقوة فإنها فكرت في اللجوء إلى حيلة  تمكنها من إدخاله معدتها، لذلك أمرت بعض الرعاة بأن يجمعوا لها كل واحد قد رأسه من العلك (وهو سائل يخرج من نبات شوكي حينما يجرح ويسمى هذا النبات بالداد وحينما ييبس ذلك السائل يصبح مثل العلكة) وإلا افترسته، فأخذته وصنعت به سرجا ولجاما و وضعتهما فوق الجحش، وفي الصباح جاء حديدان كعادته للبئر ليسقي الماء  فوجده(الجحش) جاهزا ومسرجا  فركبه وسار يتجول عليه فرحا بذلك السرج المريح، وماما غولة لا تفارقه بعين، ولما مل من الركوب حاول الهبوط لكنه لم يستطع وبقي ملتصقا بالسرج، فجاءت وأمسكت به وهي لا تكاد تصدق عينها وقالت : الآن انتهت حيلك يا حديدان الحرامي، ستكون وجبة شهية لغدائي هذا اليوم، فرد عليها :  أما ترين عظامي البارزة، و وجهي المكدود ؟ ماذا ستأكلين، لحما غثا تصبحين بعده مريضة ، فيقال عنك بين الغيلان  إنها لا تأكل إلا الجيفة ؟ ..

    فقالت له: وماذا سأعمل بك لست بحمقاء ولا مغفلة حتى أتركك تنجو مني،

    - خذيني ودعيني عندك حتى أسمن، ويستقيم شحمي و لحمي، حينها سأكون شهيا وطريا.

    فسال لعابها  لما سمعت منه ذلك، وحفرت له مطمورة  و وضعته بداخلها وبدأت تعطيه ما لذ و طاب من فواكه، ومن الحجل والأرانب المشوية،  وكل يوم تطل عليه ابنتها وتسأله هل سمن أم لا يزال، ولما مرت حوالي ثلاثة أشهر  سألته كعادتها فأجابها بأنه قد سمن و اكتمل لحمه وشحمه، فرجعت البنت فرحة وأخبرت أمها بذلك،  فقالت  لها ماما غولة : الآن سأقيم حفلة وسأدعو خالاتك إليها، أما أنت فخذي احديدان و اذبحيه، واطهيه في القدرة، واحذري مكره ودهاءه،

    فأخرجته من المطمورة وهي حذرة من أن ينفلت منها، فقال لها : أرى شعرك قد طال وتهدل و سيسخرن منك بنات خالاتك  حينما يرينك على هاته الحال ، فعمدت إلى بركة من ماء آسن ورأت وجهها فراعها  منظرها الشنيع، وأعطته الموسى ليحلق شعرها، فذبحها بها  وسلخ جلدتها ولبسها، و ضعها في القدرة  لطهيها.. ولما عادت ماما غولة و ضيوفها قالت لابنتها : هل فعلت  بحديدان ما قلته لك ، فأجابها، وهي لا تعرف أنه هو  : أجل يا أماه  و لقد طهوته، لكنني لا أريد أكل لحمه، لأني لا أحب أكل ما حضرته بيدي، فأحضرت لها أمها كبشا سمينا وشوته  وأكلت حتى شبعت ،  وأكلت الخالات  والأم  من لحم حديدان ( الذي ما هو إلا ابنة ماما غولة)، و لما انتهين من الأكل قالت  البنت لأمها: إني أكلت كثيرا وأريد أن أتمشى لأشم الهواء .. و لما ابتعد  و اقترب من داره وأمن نفسه سلخ تلك الجلدة ونادى ماما غولة بأعلى صوته : إني أنا حديدان  و لقد ذبحت بنتك ، وهي ما كنت تأكلين، فهرعت إليه وبدأت تنطح الدار للظفر به، وكمدا على بنتها، إلى ان ماتت و انتهى أمرها .

    أما هو فإنه سل أدواته الثلاث وعزم على الرحيل إلى أرض أخرى لا يجد فيها للغيلان أثر، ولا يسمع لهم صوت.. فلما وصل إلى إحدى البلاد غرز المخيط والإبر الأشفى في الأرض كما فعل سابقا، وليس في الإعادة إفادة، و استراح  من وعثاء سفره وعناءه ، وظفر بالهناء بضعة أيام ، إلى ان خرج يوما ليشم الهواء ويروح عن النفس، ويكشف عن أسرار تلك البلاد، فوجد نفسه وجها لوجه مع ماما غولة أخرى، فطاردته  لكنه سرعان ما دخل فحاولت جهد إمكانها ان تهدم الدار عليه وتأكله لكن عبثا، فبدأت تستعمل الحيلة لجره خارجا  و الإنفراد به، و في الغد قالت له : إن هذه الأرض ماؤها قليل، وإني أعرف بمنطقة  كذا بئر عذب ماؤها، فلو طاوعتني سنذهب إليه غدا. وفي الصباح الباكر قصد ذلك البئر فسقى من مائه الزلال وترك الكدر منه، وعاد،  ولما مرت به قال لها بأنه مريض ولا ينوي الخروج، و في طريق عودتها قالت له: يا احديدان  لقد ضيعت الماء العذب يتلألأ مثل البلور، فرد عليها : هلا سكت من الكذب يا ملعونة، انك ما وجدت إلا الماء العكر، لقد مررت قبلك من هناك،  فاغتاظت وحنقت عليه، وازدادت رغبنها في الإيقاع به فقالت له: أما تصحبني غدا لنحتطب فأني أعرف مكان حطبه جيد و وفير، ففعل معها مثل ما فعل سابقا ، ولما مرت به راجعة قالت له : لقد جمعت حطبا جيدا يغنيني اشهرا عديدة عن الاحتطاب .. ففند كذبها، وزاد سخطها عليه، لكنها كتمت ذلك أملا في الإيقاع به، وقالت له: إني غدا سأذهب إلى أحد الأعراس المجاورة، فهلا رافقتني سنأكل حتى نشبع..وفي الغد  لبس افخر ثيابه وسبقها إلى ذلك العرس، أما  هي فإنها تحولت إلى كلبة تلتقط العظام، فلما رآها عرفها و بدأ يقذفها بالعظام قذفات موجعة، ووجدها فرصة للتخلص منها، فقال للناس بأنها مسعورة فاجتمعوا عليها بالهراوات وقتلوها شر قتلة، وهذا ما كان من أمرها، أما حديدان فإنه سل الإبرة و المخيط الأشفى وانطلق يبغي أرض والده، أما أنا فخبيرتي مشات يمينة يمينة وأنا كلت ضلعة سمينة من ناقة أولاد مينة، و إلى اللقاء في حجاية جديدة ان شاء الله.

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>


  • Commentaires

    1
    asmaa
    Dimanche 8 Mars 2009 à 00:27
    slt je veux savoir si hayna existe en arabe c_à _d écrit par un écrivain connais
    2
    khairane Profil de khairane
    Dimanche 8 Mars 2009 à 15:22
    Répondant à ta question, et d’après mes modestes connaissances et recherches l’histoire de Haina et d’autres histoires se sont retransmises de génération en génération par voix oral, et personne n’a eu l’idée de les ressusciter, donc elle n’existe que dans la mémoire populaire, c’est pour ca j’ai pris la responsabilité de sauver ce que je peut sauver , et en fin je vous remercie de votre passage , et salamo alykoum wa rahmato allahi wa barakatih.
    3
    salma
    Vendredi 1er Avril 2011 à 01:56
    c est tres bon

    mercie
    • Nom / Pseudo :

      E-mail (facultatif) :

      Site Web (facultatif) :

      Commentaire :


    4
    landal
    Mercredi 20 Avril 2011 à 17:38
    تصوير فيلم “بولنوار” بخريبكة ونواحيها
    شرع المخرج عبد الحميد الزوغي في تصوير فيلم “بولنوار” الذي أعده الفنان بلعيد اكريديس عن رواية بنفس العنوان للدكتور أشقرا عثمان، وقد اتخذت مناطق سيدي بولنوار ونواحيها سبت الفقراء ، ايت عمار ناحية بني خيران مرتعا للتصوير أحداث هدا الفيلم التي يستمد موضوعه من نشأة القرى المنجمية و نضال عمال الفوسفاط ضد المستعمر الفرنسي وأتباعهم موازاة مع نشأة الخلايا النقابية الأولى في ما بين 1921 /1947. يشارك فيه مجموعة من الممثلين المحليين والمغاربة والأجانب ،بالإضافة الى سكان وشباب قرية بولنوار المناضلة الدين ساهموا بدورهم نظرا لما يحمله هدا الفيلم من تاريخ يوثق لنضال آبائهم وأجدادهم الدين تركوا قراهم واستقروا بهده المنطقة مند العشرينات ..
    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :