• منجم الحديد بأيت عمار<o:p></o:p>

    <o:p></o:p>

     

    آيت عمار، جماعة قروية صغيرة وفقيرة، معزولة في ركن من أركان دائرة وادي زم، قيادة بني خيران. كانت قبل عهد الحماية تعرف بالحايط الأحمر، فتعرض هذا الاسم لتحريف من طرف الفرنسيين ليصبح "أيت عمار"
    وارتبطت آيت عمار في تاريخها المعاصر بمعطيين أساسين، منجم الحديد وانتفاضة 20 غشت 1955، فقد تمت أولى الدراسات الخاصة بهذا المنجم منذ سنة1925 وشرع في تهييئه قصد الاستغلال منذ سنة 1934، حيث ثم ربطه بالسكة الحديدية بمحطة الكَفاف، على الخط السككي الرابط بين مدينة الدار البيضاء ووادي زم. فقد كان القرب من هذا الخط السككي عاملا مساعدا على الإقدام على الاستثمار في المنطقة، كما ساهم ارتفاع أسعار معدن الحديد في الأسواق الدولية في الإسراع بالشروع في استغلاله على يد «الشركة المغربية للمناجم والمواد الكيماوية (S.M.M.P.C) » ومنذ ذلك التاريخ، ظل هذا المنجم أهم منجم للحديد بالمغرب الخاضع للحماية الفرنسية.
    وبينت النتائج الأولية بإحدى مختبرات باريس، أن نسبة المعدن في هذا المنجم تتراوح مابين 43% و 48%، أما السيليس فتتراوح نسبته مابين 13% و 17%، إلا أن هذه النسب تختلف حسب الطبقات المستغلة، بحيث لوحظ أن نسبة الحديد تزيد كلما زاد العمق.
    وشرع في استغلال الخط السككي منذ 22 أكتوبر 1937، وأصبح مكهربا منذ فاتح أبريل 1938، ومنذ هذا التاريخ دخلت المنطقة مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر، بالنظر إلى مظاهر التحول الذي عرفته جراء الشروع في استغلال هذا المورد الاقتصادي الجديد. وسمح المنجم بخلق رواج اقتصادي هام، و أصبحت أيت عمار نقطة جذب للمهاجرين من مناطق مختلفة من المغرب، الشيء الذي ساهم في تغيير وجه المجال، والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
    وبالنظر إلى الأعداد الهامة من العاملين في المنجم، وإلى التزايد المسترسل في كميات الإنتاج، تتضح الأهمية التي كان يحتلها هذا المنجم في المنطقة خاصة، وفي المنظومة المنجمية بالمغرب عموما. فقد كانت نسبة مساهمة هذا المنجم تتعدى 80% في الجهة المنجمية الجنوبية. وتظهر أهمية المنجم كذلك في كونه كان يشغل 80% من العاملين في مناجم الحديد.أما الأرباح الصافية للشركة المستغلة، فقد انتقلت من 78 مليون فرنك سنة 1951 إلى 114 مليون فرنك سنة 1952، و103 مليون فرنك سنة 1953.
    وكان من نتائج هذا الاستغلال أن بنيت عدة قرى منجمية للعمال المغاربة ( 200 منزلا) وللأطر الأوربية العاملة بالمنجم ( ثلاث وحدات سكنية وحوالي 20 فيلا)، أضف إلى ذلك الأحياء السكنية المنتشرة حول المنجم. كما سمح الاستغلال بإحداث مرافق عمومية كالمدرسة والمستشفى والسوق والمحلات التجارية والحرفية وباقي الخدماتوالخلاصة أن المنجم أحيى المنطقة وخلق فيها حياة جديدة لم تكن لتتوفر لولا المنجم… .
    وسمح المنجم بولادة مجتمع جديد، وحدت فيما بينه ظروف وملابسات العمل، خارج المنظومة القبلية التقليدية، وكان من سمات الحداثة التي خلقت بالمنطقة أن ظهرت عادات وقناعات جديدة، لم تكن معروفة ومتداولة في المراحل التاريخية السابقة. فبتطور الدخل تطور الاستهلاك والخدمات، وتطورت المعرفة المهنية للعمال، بحيث سمح المنجم للعديد من العمال المغاربة باكتساب معارف وخبرات مهنية جديدة كالسياقة والصيانة والهندسة
    ولا يمكن فصل شريحة العمال المحلية عن باقي الشرائح العمالية المنجمية في المغرب المحتل آنذاك. فقد حتمت مظاهر الاستغلال الرأسمالي بروز أشكال جديدة من الوعي والعمل السياسي والنقابي، حيث تعددت أشكال الاحتجاج كالإضرابات… وكان منجم أيت عمار على موعد مع انتفاضة عارمة في الذكرى الثانية لنفي السلطان سيدي محمد بن يوسف. فقد عرف المنجم انتفاضة قوية كما هو الحال في مدينة وادي زم المجاورة، حيث هاجم العمال بشكل مفاجئ الأوربيين العاملين بالمنجم، ولم تسلم التجهيزات من الإحراق والتدمير. وكان من نتائج هذه الانتفاضة ، أن قتل العديد من الأوربيين والمغاربة وأتلفت تجهيزات وأرشيفات الشركة
    وفي أول اجتماع له بالمنجم، تقدم الإتحاد المغربي للشغل، بتاريخ 10 أبريل 1956، بلائحة مطالب عامة اختلط فيها السياسي بالنقابي. فقد تمت المطالبة، مثلا، بالتعويضات العائلية، السكن، إعادة المطرودين، العطل، مراجعة الأجور… وطالب المكتب كذلك بالتعويض عن قتلى وجرحى الانتفاضة… وكان جواب الشركة بتصنيف المطالب، حيث فرقت بين المطالب التي يمكن أن تناقشها أو تستجيب لها كلا أو جزءا. أما المطالب المتعلقة بتبعات الإنتفاضة، فقد اعتبرت نفسها غير مسؤولية عنها، بل إنها كانت ضحية، وذلك بالنظر إلى قتلاها وإلى خسائرها المادية
    ومنذ هذا التاريخ، بدأت ملامح الصراع والانشقاق في صفوف العمال، بسبب الصراع النقابي الحاد. والمتتبع للرواية الشفوية المحلية وللتقارير التي كان يرفعها مدير المنجم للدوائر المسؤولة، يستتنج مدى تأثير ذلك على وحدة العمال، وعلى استمرارية العمل والإنتاجية، بل إن الأمر أدى في الكثير من اللحظات إلى مواجهات عنيفة بين العمال التابعين لهاته الجهة والعمال التابعين للجهة الأخرى. الشيء الذي أدى إلى قدوم قوات التدخل ومرابطتها بالمنطقة. كما سجلت الكثير من حالات العصيان والغش في العمل عن طريق خلط المعدن الموجه للتصدير بالتراب…!
    ففي الكثير من التقارير التي كان يرفعها مدير المنجم ، يستشف بأن الشركة كانت تميل إلى إغلاق المنجم حفاظا على أرباحها، وحتى لاتتعرض للإفلاس. خاصة وأنها كانت مطالبة بتصفية الحساب مع العمال فيما يخص تقاعدهم و باقي المكتسبات. كما أن الكثير من الآراء تميل إلى الاعتقاد بأن إغلاق المنجم أتى كذلك لظروف سياسية تدخل ضمن التوصيات الفرنسية، وضمن توجه عام كان يميل إلى تكسير شوكة المناطق المنتفضة، خارج السياق الذي كان يؤطره الشق السياسي للحركة الوطنية، وهو الرأي الذي يدخل منطقة وادي زم عموما ضمن هذه الخانة، إلا أن كل هذه الآراء تحتاج إلى ما يدعمها أو يفندها من وثائق، خاصة وأن أرشيف الشركة قد تعرض للضياع، أما ما تبقى منه فقد تم إنقاذ جزء منه في حالة ووضعية حرجة جدا…، الشيء الذي أدى في نهاية المطاف إلى إغلاق المنجم بالتدريج، إلى أن أغلق نهائيا خلال الستينات من القرن الماضي، بمعنى الحكم على هذه المنطقة بالتهميش والإقصاء، وبقطع خط السكة الحديدية، تكون المنطقة قد حكم عليها بالإعدام والانفصال النهائي عن العالم الخارجي.
    ومنذ ذلك التاريخ، والمنطقة في تراجع مهول على جميع الأصعدة، فأصبحت منطقة طرد للمهاجرين بعدما كانت منطقة جذب لهم، وأصبحت مرتعا للثالوث المخيف: الفقر والجهل والمرض… لذلك يظل السكان ينتظرون رد الاعتبار لهذه المنطقة، وتفنيد الرأي القائل بوجود انتقام وتهميش مقصود. ومما زاد الطين بلة أن كل الذين عبروا على ظهر المنطقة من جماعات محلية ونواب برلمانيين وسلطات محلية، لم يفكروا بجدية في هذا الموضوع، ولم يحاولوا البحث عن سبل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولعل الفلسفة الجديدة التي أتت بها «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» قد تشرع نافذة على هذا الرجاء الذي يعقد عليه السكان أمالا كثيرة، خاصة وأن كل المعطيات تفيد بالإمكانيات الواعدة التي مازال المنجم يتوفر عليها، سواء في أعماقه أو أخذا بعين الاعتبار المساحة الإجمالية للمنجم الممكن استغلاله، في وقت يتميز بالقرب من السكة الحديدية وفي وقت تعرف فيه أسعار المواد المعدنية، وخصوصا الحديد منها، ارتفاعا ملحوظا في الأسواق الدولية، أو استجابة للحاجيات المحلية من هذا المعدن الاستراتيجي، أضف إلى ذلك التطور الحاصل في آليات الصناعات الإستخراجية، الشيء الذي قد يشجع على الاستثمار في إعادة استغلال هذا المنجم، ويساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهاته الجهة... .
    <o:p></o:p>

    <o:p> </o:p><o:p></o:p>

    د.صالح شُكَاكَ<o:p></o:p>

    <script type="text/javascript"></script><script type="text/javascript"></script>

    2 commentaires
  • تتعاقب الأجيال و الحقب، جيل بعد جيل، وحقبة تلو أخرى ، و هذا الملعب  يشهد ضياع المواهب  الشابة، والطاقات الحية من أبناء أيت عمار، ولو تحدثت إليه لباح لك بأسراره  الكئيبة ولحدثك عن ضياع جيل بأكمله في زحمة النسيان والإهمال. تتغير الشخصيات لكن الصورة تتكرر عبر الأزمنة وعبر العصور، صبية يعانقهم حلم الخلود، أمام صمت  أهل الحل و العقد، وستتبخر آمالهم كما تبخرت آمال سابقيهم من جيل الرواد ذات يوم.     <o:p></o:p>

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>

    votre commentaire



    Suivre le flux RSS des articles
    Suivre le flux RSS des commentaires