• الدشر(2) 

     

     

      كان الباعمرانيون يقيمون بالدشر طيلة فصل الشتاء حيث ينصبون خيامهم  بموازاة مع جدرانه، وفي الوسط يبنون الزرائب للقطيع ..أما الخيول فتكون أمام الخيام ، على أهبة واستعداد لدرء غارة محتملة، أو مفاجئة، مستهلكين ما جمعوه من أحطاب للتدفئة وللطهي..كما أنهم كانوا يودعون فيه(الدشر) ما عز وغلا لديهم  من مؤونة وحلي، حيث كانوا يقومون بحفر مجموعة من الآبار الاسطوانية العميقة، والمتسعة، ذات فم ضيق لا يكاد يتسع للفرد الواحد ( مطمورة) لتخزين الحبوب من قمح وشعير، وغالبا ما كانت  تتموضع بين ركيزتي الخيمة، وحينما يتم ملئها تغلق بأحجار مستوية  ثم تغطى بالتراب، وتسوى بالأرض، أيضا كانوا يدفنون  تحت سدول الخيمة و أكفيَتِها جرار العسل والسمن المملح( قَلُّوشْ)، و أكياس الحلي، والملاعق والأواني الفضية..  كما استعملوا بالإضافة إلى ذلك القبور وجنبات المقابر، لكونها أماكن ترهبها الناس وتحترمها، من جهة، وحتى يسهل عليهم ضبط مكان الخزينة، وسهولة تذكره من جهة أخرى.

      حينما يرحل برد الشتاء، و يستوطن الربيع بدفئه، يرحل الباعمرانيون نحو أماكن الرعي، والاقتراب أيضا من الأراضي المحروثة، تاركين الدشر تحت حراسة متناوبة فيما بينهم، حيث يقوم  ثلاثة أو أربعة فرسان مسلحين بالبنادق و الخناجر بالمداومة طيلة الليل، وبعد انتهاء فترة الدراس، وجمعهم للمحاصيل الزراعية، يعودون من جديد إلى الدشر، حيث ينصبون خيامهم بالقرب منه، تفاديا لحرارة الصيف المفرطة، ولا يدخلون إليه إلا في حالة المداهمة، أو خوفا من العواصف..

      ولرسم صورة واضحة على ما كان سائدا في ذلك الوقت من الناحية الأمنية، والحاجة إلى الملاذ و الحماية ما تحكيه امرأة في ذلك الزمن حيث تقول فيما روي عنها:"ذهبنا من الدشر إلى "بوضروة" لجمع "الدَّوْمْ" ولم يكن معنا رجال، فأغار علينا نفر من السماعلة مسلحين، بخيلهم وبارودهم، فهربت من هربت، واختبأت من اختبأت، ومن سوء حظي أن سباني أحد الفرسان و أخذني أسيرة، و أردفني وراءه، في الوقت نفسه سمعت دوي البارود وراءنا، فالتفت فإذا بي أرى "صربة" رجالنا وكانوا قد تبعونا لتطلع أمرنا و حراستنا، فتشجعت و مددت يدي إلى السرج و فككت أحزمته، ثم هوينا أرضا، في تلك اللحظة كان فرسان السماعلة قد لاذوا بالفرار  لما سمعوا فرقعات البنادق، ولما لحق بي الرجال أوثقوا من كان يريد سبيي و أخذوه أسيرا، وسرنا به إلى الدشر، ولما سمع أهله الخبر بعثوا في طلبه أمه مقابل فدية يدفعونها لنا، وكذلك كان."

       غير أنه لم تمض غير بضع سنوات على تأسيسه، حتى شب الخلاف بين فرقتي الدشر"أيت السي أمحمد بن عيسى" و"أولاد السي إبراهيم" أدى بهذه الأخيرة إلى مغادرته نهائيا، واستقرت بضع كيلومترات منه جهة الجنوب الشرقي، ببطن يتسم هو الآخر بقرب ماءه، وطيب ريحه، وجودة تربته، ويسمى ب" بِيْرْ الزّْكِيمْ" ثم ما فتئوا أن عملوا على بناء دشر خاص بهم في ما ارتفع من تلك الأرض، وهو مكان يسمى ب"التُّومَيَّة" وقيل إنه سمي بذلك لكونه يتكون من تَلّيْنِ متشابهين كالتوأم، وظلت تربطهم بإخوانهم علاقات المصاهرة، كما بقوا يستعملون  مقبرة سيد لحسن  لدفن موتاهم، ونظرا لبعد المسافة  عملوا على إقامة مقبرة خاصة بهم   جانب  الدشر(يتبع).


    votre commentaire
  •  

    الدّْشَرْ 


     

     

    Voir taille réelle 

    حتى أواخر القرن التاسع عشر كانت بني خيران واحدة من قبائل تادلة، إضافة إلى السماعلة، و بني زمور، وبني عمير، وبني موسى، و ورديغة، و أخرى، حيث يقول شارل دو فوكو(1858-1916) وهو مستكشف فرنسي كاثوليكي ذهب للمغرب لاستكشافه في رحلة طويلة، يقول في كتابه التعرف على المغرب1883-1884 :  وكانت هذه القبائل سائبة ومتمردة ولم تكن تخضع لحكم وسلطة المخزن، لذلك كانت تعتمد على ترسانتها الحربية من أسلحة ورجال و خيول، وحصون منيعة(مداشر) لترد هجمات القبائل الجائرة أو  لتغير بدورها على القبائل الضعيفة، أو لترد حملات المخزن التأديبية، وكان لكل  قبيلة أو وحدة عرقية (فخذة) من القبيلة نفسها  شيخها الذي يمثل السلطة الدينية والسياسة و القضائية  في نفس الوقت، ولها  حصنها المنيع (الدشر) الذي تلجأ إليه و تحتمي داخله وتودعه ما عز لديها.<o:p></o:p>

     بالنسبة لأيت عمار أو أولاد سيدي بوعمران  كما كانوا يسمونهم  حيث يقول   شارل دو فوكو   في كتابه التعرف على المغرب  متحدثا عن حملة السلطان مولاي الحسن (الحسن الأول)  في  صيف 1883، وهي حملة كان يقوم بها السلطان:"كل سنة أو كل سنتين يقوم السلطان بتجهيز جيش وينطلق لتأديب بعض القبائل المتمردة من جهة، وإضعاف أخرى بدت أكثر قوة"  ويتابع دو فوكو متحدثا عن هذه الحملة:" ..وفي بني خيران( ..)بدأ مولاي الحسن  بنهب زاوية(الدشر) أولاد سيدي بوعمران وكانت للشرفاء الذين يسمون بهذا الاسم، وكان لهم تأثير كبير في بني خيران حيث يقيمون.."  بالنسبة لأولاد سيدي بوعمران إذن وكغيرهم من قبائل وفخذات تادلة  عمدوا إلى بنا ء حصن منيع لهم (دشر) وكان ذلك على أبعد تقدير في الحقبة الأخيرة من القرن التاسع عشر، وقبل ذلك كان يستقر بهم المقام في مكان يسمى " مَڮْيَلْ لْحْمِيرْ" قريب من بئر "ولد عيشة" حاليا وهو مكان يتسم بقرب مياهه، وخصوبة أراضيه، و دفئ منزلته وطيب هواءه، عمد الباعمرانيون لبناء الدشر لرغبتهم الملحة في الاستقرار من جهة، ومن جهة أخرى  للتحصن من غارات القبائل الأخرى .. وقد تم اختيار منطقة مرتفعة لبنائه كبرج للمراقبة حيث يراقب من الجهة الغربية  أولاد بوغادي ومن الجهة الشرقية السماعلة ومن الجهة الجنوبية والجنوبية الغربية ورديغة وبني منصور، أما الناحية الشمالية فقد كانت عبارة عن قطاع غابوي ذو مسالك وعرة أحيانا، وكانت تحت مراقبتهم. إضافة إلى كونه(الدشر) غير بعيد عن مقبرة سيد لحسن، وهو عبارة عن مستطيل كبير  من أسوار يبلغ ارتفاعها أربعة إلى خمسة أمتار،  وتحيط بها ثقوب  منتظمة تستعمل لإخراج رؤوس البنادق في حالة المداهمة من جهة، وللمراقبة من جهة أخرى، وفي طور بنائه كان الرجال ينهمكون في جلب الأحجار و الأتربة وعملية البناء، أما النساء والأطفال فعملوا على جلب الماء  في  قرب من الجلد من بئر ولد عيشة،الذي كان انذاك عبارة عن عين يقال لها "عين اولاد باجة"وقد سميت بهذا الإسم لكون المكان كان يختص بحراثته"أولاد باجة"(يتبع).

     

     


    3 commentaires

  • votre commentaire
  •  

    صناعة الزرابي

    Voir taille réelle

    تتفنن أيت عمار، كغيرها من القرى المجاورة، في حياكة الزرابي الجميلة و المتعددة الأشكال و الألوان، وهو فن تختص به النساء وتتوارثنه جيل عن جيل، بل وتتباهين به، فامرأة لا تعرف نسج الزرابي  و تطريزها (البَوْجْ) تكون محط سخرية نظيراتها، وفي  حفلات زفافهن تجهز الفتيات  بما صنعنه  من منسوجات ، ويكون ذلك دليل على  مهارتهن  وعنوان على دقة حسهن وحسن ذوقهن.<o:p></o:p>

     وتعبر الزربية - مثل قصيدة الشاعر أو لوحة الرسام- عن محيطها الزمكاني والاجتماعي من جهة حيث نجدها  تعبر عن مجتمع زراعي-رعوي فنجد صور البقرة والشاة والدجاجة والناقة والسنبلة و الشجرة و الغصن.. حاضرة بقوة في رسومها، هذا بالإضافة إلى رسوم أخرى كالبَرَّادْ رمز الكرم وحسن الضيافة، والخنجر  و الفرس رمزا الشهامة والفروسية،  وبعض الحيوانات الأخرى التي تؤثر في الحياة بصفة عامة كالأفعى والضفدعة و الجرادة..<o:p></o:p>

    من جهة أخرى تعبر  الزربية عن دخائل المرأة النفسية، وعما يخالج صدرها من أحاسيس ومشاعر، فتناسق الألوان وانتظامها قد يرمز للربيع والخصوبة ، والميلاد المتمثل في صورة البقرة مع وليدها، ولا غرابة في ذلك  فالفتاة في بيت أبيها تحلم بيوم زفافها، وهي في  بيت زوجها يراودها حلم الميلاد .<o:p></o:p>

    مع الأسف في وقتنا الحاضر، أهمل فن الزرابي ومات هذا الإبداع النسائي أو كاد، وحل محل حصير الدوم  حصير البلاستيك، ومحل الزرابي  التقليدية المتقنة الإبداع والتعبير أغطية و أفرشة مصنعة ودخلت المدنية الجوفاء-قاتلها الله- كل البيوت  فجردتها من كل ما هو أصيل وتقليدي، وبعدما كان لا يخلو بيت من منسج(منشج) في أيت عمار، أصبحتَ تجوبٌ كل الدور  ولا تعثر ولو على واحد.<o:p></o:p>

           

     

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>

    1 commentaire