• هذيان

    " ولِّيتْ للعْصَارَة شَهْدَة صَفَّاوْا مْنْ امْصَالِي×صَابُوهْ قُوتْ وَ دْوَا للذَّاتْ الفَانِيَة الْعْلِيلاَ

    و مْنْ امْصَالِي صَفَّاوْا شْمَاعِي يَاللِّي  صْغا لِي×وْ حْكَايْتِي للْقُدَّام القصة بَاقْيَا طْوِيلَة "

    صوت جيل جيلالة يصدح عبر رنات الهاتف، وددت لو طال رنينه، لكن رغبتي في معرفة من يتصل بي في ساعة متأخرة من الليل كانت أقوى، ضغطت على زره الأخضر، كانت جنڨياڨ كعادتها، قالت لي بفرنسية تغلب عليها لكنتها الإيطالية : اليوم التقيت بالرئيس ساركوزي ودعاني للعشاء معه في الإيليزي..، عرفت أنها تهذي وتهلوس، جنڨياڨ مثل بومة أو خفاش تنام النهار وتستيقظ الليل ، خنقت صوتها ومعه الجوال لكي لا تعاود إزعاجي مرة أخرى، حاولت أن أغفو من جديد لكن عبثا، قفزت من فراشي وأشعلت الحاسوب لأرقن بعض الملفات..تراءت لي في خلفية شاشته قريتي الجميلة أيت عمار جامدة خرساء خلف الزجاج ، وندوب الماضي وجراحاته بادية على وجهها مثل أرملة شاخت قبل الأوان، قرأت في سطورها وقسماتها ذكريات زمن ولى وفات، وبطولات مشربة بالدم والدموع، وتخيلتُني أجوب إحدى شوارعها الفسيحة، والذي أطلق عليه اسم شهيد من شهدائها، مليء بالناس والباعة، و روائح المأكولات المنبعثة من مطاعمه الشعبية، ألتقي بشرائح من البشر تجانست وتصاهرت فيما بينهما بعدما جاءت تعمل في منجم الحديد، أما هذا الأخير فقد تطورت آلياته مع تطور الزمن، وتحولت منشآته القديمة لرموز أثرية تجلب السياح والزوار، وغير بعيد عنه  هناك محطة القطار، والإدارة العامة للمنجم.. ومن شارع لآخر  إلى ان استوقفني نصب تذكاري مكتوب عليه : 20غشت 1955 بأحرف كبيرة ومذهبة وتحتها قائمة بأسماء أناس بذلوا حياتهم دفاعا عن الكرامة :

    - الشهيد بن محمد بن الحسن

    - الشهيد أحمد ولد الحاج العربي ولد رقية

    - الشهيد الحاج بوعزة ولد بداد

    - الشهيد المصطفى ولد سيدي أحمد الأعمى

    - الشهيد ولد بلعطار

    - الشهيدان ولدا الشيخ بن الطيبي

    - الشهيد الفقيه الحافظ لكتاب الله ولد الحسن بن التهامي

    و آخرين، ترحمت على أرواحهم الطاهرة الزكية، وقلت في نفسي إن للحرية ثمن يدفع من حياة الشعوب .

    غادرت تلك الصور مخيلتي تدريجيا، مثل مدينة لفها الضباب، وعادت الصورة الجامدة المحنطة تطالعني من جديد وتردني بعنف إلى الواقع، ولم تتركني طويلا أعيش ما لا يمكن أن يكون..ليبقى الحلم حلما مهما طال أو قصر، وتبقى قريتي الحبيبة تعاند الجفاء و النسيان . أطفأت حاسوبي وعدت إلى فراشي أعاند الأرق، تمنيت لو تعاود جنڨياڨ الاتصال فهذيانها أرحم بي من شوق عقيم، وذكرى مؤرقة، وأماني مستحيلة.  

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>


    votre commentaire

  • خديجة<o:p></o:p>

     

    <o:p>

     

    </o:p>

     


    أطلقت ساقي الصغيرتين للريح وسط المراعي الخصبة في عنفوان الطفولة ورعونتها ومرقت خديجة ورائي مروق السهم إلى الرمية محاولة الإمساك بي، كنا نعدو الواحد تلو الأخر، ولم تكن تلك غير لعبة من بين أخريات نتسلى بها طوال النهار، و كانت بقرتانا الصفراويان تلتهمان في دعة ما تركته المناجل من سنابل قابعة وسط الهشيم.  <o:p></o:p>

           كانت خديجة تكبرني ببضع سنوات، وكانت وحيدة جدها، والشمعة التي تضيء أرجاء خيمته، لست أدري كيف أتت ولا أين ولدت، كلما كنت اعرفه أنها كانت رفيقة صباي،  وكانت تجمعنا أيام اللعب والمرح المشربة بالبراءة و الفضول. <o:p></o:p>

           لم يكن يفرقنا غير ليل بدا للتو يسدل رداءه الأسود رويدا على الحقول والمراعي، ولطالما أنسانا اللهو ظلمته إلى أن أيقظتنا نداءات العم بوعزة، أو شبح أختي و خشخشات قدميها. <o:p></o:p>

          وجدت العم بوعزة مسجيا وسط الخيمة الصغيرة والناس متحلقين حوله في صمت رهيب  قبلت وجهه المجهد المكدود، أحسست أنفاسه، التي خبت أو كادت،  تلامس وجهي كأنها تودعني ..   <o:p></o:p>

          بعد لحظات قليلة تسلل من أعماق الصمت صوت، "إن الرجل يحتضر"، و تبعته أصوات الصراخ  و العويل مدوية من الخارج، ثمة أحسست بشيء ما تغير، أو على وشك أن يتغير، اقشعر جسمي واستبدت بي رغبة في البكاء، ياللضياع!    
          خرجت للتو أفتش عن خديجة، كنت أخترق جمع البواكي بقامتي الصغيرة يمنة ويسرة علني أجدها، أرهفت السمع لكن عبثاً، إلا من صراخ حزين بسط للتو صداه على الحقول والمراعي المجاورة، ووجوه كالحة تمتلئ غبارا ودموعا، خرجت من الجمع وكلي جيشان وددت آنها ان أطلق العنان لحنجرتي للصراخ أو للبكاء لكن شيئا ما كان يسد حلقي ويمنعني حتى من الكلام، وبجانب السور المحيط بالخيمة كانت خديجة تقبع وحدها أمام بقايا فرن طيني، وجدتها تبكي بمرارة اقتربت منها لم أتمالك نفسي وانفجرت بالبكاء، عانقتني ببراءة وأحسست دموعها الساخنة تجري في وجداني وتحفزني للبكاء أكثر فأكثر، كانت تلك اللحظة آخر عهدي بها قبل ان تختفي في دهاليز الزمن، ويغيبها الفراق إلى غير رجعة.  <o:p></o:p>

    كانت عيناي زائغتين وهما يتابعان موكب العم بوعزة الذي راحت تبتلعه التلال، وتبتلع معه آخر أطياف خديجة أيضا، ومن حوالي خيم الصمت والفراغ إلا من خوار الصفراء وهي تقاوم قسوة فراق مراعيها، وقسوة حبل ربط بعنقها ليقتادها إلى المجهول، وقسوة عصا غليظة مافتئت تنهال عليها؛ لست أدري لماذا يذهبوا بها ولا إلى أين كلما كنت أعرفه هو أن أيام خديجة انتهت وأنه لا مراعي و لا صفراء .. ولا خديجة بعد اليوم. <o:p></o:p>

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>


    1 commentaire
  • ربيع بلادي<o:p></o:p>

     


    Voir taille réelle

    حينما يسقط المطر، وتتفجر الينابيع من أعماق الأرض المعطاءة، وتخرج الشمس، وقد غسلها ضباب الصباح، مثل ياقوتة من كيس بخيل، فتبسط دفئها على أزهار الربيع الحالمة والتي بدأت للتو تتفتح، وحينما تتفرقع في الحقول بنادق الصيد، ويطلق الطفل الصغير العنان لنايه وحنجرته فيملأ المراعي بهجة وحبورا.. وتطل أولى البراعم الفتية تكللها قطرات الندى المتلألئة؛ حينها تعم الفرحة القلوب، وتعشوشب ربوعها الخالية، وتملأ البسمة الوجوه البريئة للناس في أيت عمار، ويهيئون أولى أطباق"الخُبَّيْزَى"، أو " البَقُّولَة" - كما يحلو لأناس المدينة أن يسموها- ممزوجة بالحليب وبعض التوابل، وتلبس أحلامهم ألوان الربيع، وألوان قوس قزح العائم وسط الرذاذ، أحلام تكبر وتتفتح كشقائق النعمان، أحلام بالخصوبة، والبقاء، والاستمرار. <o:p></o:p>

     أما الجدول الصغير فقد جرت مياهه عذبة رقراقة مستمدة من أشعة الشمس الدفء و اللمعان، وعلى ضفافه الصخرية نشرت الملابس وبعض الزرابي المغسولة، و امتزجت كركرات الأطفال بصدى خريره الصادح، وفي مرايا عيونه الصافية  تتماوج الصور الطفولية وتتحول إلى ذكريات تلاحقنا في الزمان والمكان ..طفل يرى صورته في الماء هادئة وجامدة، وبالكاد يعرفها حتى تنط ضفدعة صغيرة، فتتحول الصورة إلى دوائر تكبر وتبتعد، يحاول مطاردتها واللحاق بها، تأتي أمه تنتشله من البركة وتقول له "لا تعاود النظر إلى الماء فإن الشيطان سيجرك من جديد"، تتشابك الخيوط في رأسه، هل ما رآه صورته؟ أم صورة شيطان خطف براءته الطفولية ليوقع به؟<o:p></o:p>

      في الربوة المجاورة يقبع الشيخ الكبير في أبهة وعنفوان يحكي للصغار عن مغامرات زمن ولى، وعهد تقادم إلا من ذاكرته التي مازالت تعاند النسيان، فتنساب حكاياته فتية وطرية طراوة أعشاب الربيع الحالمة بالتوريد والإزهار، تربط ماض لدغته أفاعي الاستعمار بحاضر أخفت أحلام الطفولة عمق جراحاته.<o:p></o:p>

     وفي المساء تمتزج حمرة الأصيل بحمرة شقائق النعمان، وتمسح أسراب الطيور، بأجنحتها، وجه الشمس الغاربة، أما البهائم فقد أخذت طريقها نحو الرواح، والخراف الصغيرة تعدو وتقفز بقوائمها الرطبة وقد أنعشتها رطوبة المساء، ومن حواليها تنبعث رائحة المراعي، أما الليل فله طعم من نوع خاص حيث نقيق الضفادع المشرب بزغرودات الوزغة المتعالية، وحيث النجوم العائمة وسط  العيون الصافية للوادي، وحيث الطفل الصغير يرنو إليها في دهشة و خوف ظنا منه أنها "عْوَيْشَة قُنَيْدِشَة".<o:p></o:p>

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>


    votre commentaire

  • همس الذكريات 

     

    Voir taille réelle 

    برد المساء الناعم يغازل وجهي، و أنا أعتلي صهوة الربوة الجميلة، أمسح بعينيي الآفاق البعيدة و القريبة، وفي البيادر المجاورة تتطاير ذرات التبن محاكية حركة الريح، وحركة الفلاح الذي يرسلها بانتظام بديع، أما العم سليمان بقدميه الحافيتين، وجلبابه الرقيق الأبيض، وشكارته التي تتدلى على خاصرته فقد انتهى أو كاد من تصفية عرمة الحبوب واستراح يحتسى بعض كؤوس الشاي..ومن المراعي الخصبة الفسيحة ينبعث صوت أمينة ممزوج بشدو العصافير وهي تغني للقطيع.

     كانت أمينة في مثل عمري ورفيقة صباي، لذلك كانت أمي غالبا ما تقول لي: حينما تكبر ستتزوجها.. لقد كبرت الآن يا أماه ! و كبرت أمينة أيضا ! وجاءها خطاب! و تزوجت وأصبح لها أبناء! وغيبها الزمن المر من مخيلتي و لم يترك غير صدى صوتها الطفولي حينما كانت تطلق العنان لحنجرتها وهي تتغنى بالخصب والجمال والبراءة..

    لم تكن أمينة غير واحدة من الشحرورات اللائي كن يبهجن المراعي الفسيحة سواء بعذب شدوهن الذي تشرب أنخابه كل الآفاق، أو بجيئهن، وذهابهن، وغدوهن ، ورواحهن.

     دفئ القطار يدغدغ كل مفاصلي، ويداعب وجهي الناعس، وهمس الذكريات يسبح بي في عالم من الشجون.. بدأت أشعة الشمس في الشحوب، وبدا قرصها الغارب أكثر احمرارا كلما اقتربت من التلال، وبدد الغروب الوشيك قيظ النهار، نزلت من على الربوة و اقتربت من أمينة ومن قطيعها، وإلى جانبهما كانت بقرتنا و عجلها الصغير يلتهمان الهشيم وبعض السنابل التي عافتها مناجل الحصادين، انغمسنا في عالم الطفولة والمرح ، ولعبنا لعبة " لقيوش" أو "مالة" وكانت معي أكثر لطفا و حنانا من المرات السابقة التي نكون فيها برفقة الآخرين، تمنيت لو استمرت هكذا، ودارت في مخيلتي أحلام طفولية مشربة بالنضج، وتغيرت صورتها أمام عيناي، وخيل إلي أني أكتشفها لأول مرة، ساعتئذ تمنيت لو توقف الزمن، لو توقف قرص الشمس عن الانحدار، لكن هيهات!!

     بدأ رداء الظلام يلفنا رويدا، ويبسط سكينته على الحقول، إلا من  نباح الكلاب و خشخشات بعض الزواحف التي أيقظتها للتو رطوبته، لقد حان وقت الرواح والافتراق، ركضت وراء بقرتنا ممسكا بذيلها الطويل، ومن حوالي العجل الصغير يقفز ويجرى لعبا، أما أمينة فكانت تمشي الهوينى وقطيعها من وراءها بانتظام ووداعة، وبين الفينة والأخرى كانت تحيطني بالتفاتة أو التفاتتين..

    صوت مضيفة القطار يعلن محطة الوصول، سحبت جسدي المتهالك من فوق المنضدة، انفتحت أبواب العربة واندفعت إلى الخارج حيث بدأ يصفعني صباح العاصمة الصقيعي ويبدد آخر أطياف أمينة، وهي تتقدم أغنامها، من مخيلتي.      

    <script type="text/javascript">// <![CDATA[ var gaJsHost = (("https:" == document.location.protocol) ? "https://ssl." : "http://www."); document.write(unescape("%3Cscript src='" + gaJsHost + "google-analytics.com/ga.js' type='text/javascript'%3E%3C/script%3E")); // ]]></script> <script type="text/javascript">// <![CDATA[ try { var pageTracker = _gat._getTracker("UA-5964337-1"); pageTracker._trackPageview(); } catch(err) {} // ]]></script>


    5 commentaires
  • موسم المطر

     

     

     

    أتعلمون أي فرح يبعثه المطر؟ وكيف تٌنسج الأحلام إذا انهمر؟ أحلام بالخصب والجمال، وبفرقعات البارود في مواسم الزفاف الوشيكة،  حينما يغسل وجهك الرذاذ، وتداعب انفك رائحة الأرض، يجرك الحنين إلى أيام خلت، وتستحوذ عليك الذكريات فتعلكها علكا، وتجترها اجترارا، فيسكنك الطفل الذي كنتَه ذات يوم، يعدو فوق الروابي التي بدأت تعشوشب للتو يجمع "الفقع" أو يقلب بعض الأحجار بحثا عن الحلزون، ينام، يستيقظ..على وقع طقطقات المطر فوق سقف القصدير، فينبعث من دخائله الفتية إحساس غامض، وتستفيق ملء روحه رعشة البكاء، يجلس في حضن أمه يلعب بالنار حينما تطهو العشاء، يسخر من الظلام الحالك  ومن المطر.

    حينما تنبعث رائحة التراب المشرب بالمطر من أعماق الأرض العطشى، كل شيء يتغير بما في ذلك طباع الناس  في أيت عمار فتعلو وجوههم الشاحبة مسحة من الأمل ممزوجة بالغبطة والسرور، لها طعم أطباق "الخبيزى" بالحليب، وتعاودهم نشوة ذكريات مواسم مضت، مواسم تراكمت فيها الخيرات، وكان فيها "العسل في الكلخ" كما يحلو للبعض أن يقول..<<حينها كان المطر مطرا، وكانت مواسمه  تطول، ولا ترى الشمس غير مرات معدودة، أما الخبيزى فتغمر جنبات المنازل، وما إن تكاد تخرج "الّْلْيالِي" حتى تشبع البهائم، ونأكل أولى أطباق"البركوكش"..>> قالها العم سليمان ومسحة من الأسى و الأسف بادية على محياه، بجلبابه الصوفي البني، وعمامته البيضاء المدورة بإحكام  على رأسه المحلوق، وهو يفترش التراب الرطب المبتل بماء السماء، كنت جالسا بالقرب منه ألهو ببعض صغار الحلزون  التي مازال بعضها  عالقا بالأحجار المتناثرة من حوالينا، رفعت رأسي نحوه غير مكترث بما يقول ثم انغمست في عالمي الطفولي من جديد، تابع قائلا: << اليوم أصبحت البركة تنزل على قد عقول الناس، وكذلك القطر، كانت البساطة، وكان الكرم وكانت الأرض رحبة ومتسعة، أما الآن فقد سادت الفوضى، وعم الفساد، وغلب الجشع والطمع وحب المدينة على عقول الكل ..>>

    لم أكن أعي كل ما قاله، إنما كنت بين الفينة والأخرى أرفع رأسي لأتفرج على أطواد السحب الدكناء التي لا تهدأ حركتها، أما قرص الشمس، إن ظهر، فقد بدا أكثر شحوبا وأحيانا يخيل إليك أنه هو الذي يتحرك في الاتجاه المعاكس للغيوم.

    حملقت بنظري نحو الأفق، بدأت مسحة رقيقة من الضباب تكسو "الحاشية" وتكتسح المناطق المجاورة بسرعة، أومأ لي العم سليمان بأن ألحق بدارنا، وهو يستجمع قواه للنهوض، أمسكت بدكة سروالي بيد، وأمسكت بالأخرى نعلي المتقادمين وأطلقت  ساقي للريح يدفعني انحدار الربوة الجميلة...بدأت الأمطار تغسلني، واستبدت بي رغبة في البكاء، تذكرت الصبا واشتقت له، وقلت في نفسي ما قيمة الإنسان بلا وطن، بلا أرض، ودونما عنوان، ما قيمة الإنسان؟؟؟ وعاودني الحنين إلي حضن أمي أيت عمار، وإلى أيامها الخوالي، حيث كان المطر مطرا، كما قال العم سليمان حينها، تمنيت لو توقف الزمن لحظتها لكن هيهات..

    كان المطر يترائ لي قويا وكثيفا تحت أضواء الشارع، وفي مصابيح السيارات، وزاد من تثاقل خطاي وتعثرها إلى أن ابتلعني آخر مقهىً ليلي، وابتلع معي كل ذكريات العهد الجميل.  

    <script type="text/javascript"> var gaJsHost = (("https:" == document.location.protocol) ? "https://ssl." : "http://www."); document.write(unescape("%3Cscript src='" + gaJsHost + "google-analytics.com/ga.js' type='text/javascript'%3E%3C/script%3E")); </script><script type="text/javascript"> try { var pageTracker = _gat._getTracker("UA-5964337-1"); pageTracker._trackPageview(); } catch(err) {}</script>

    4 commentaires
  •  

    سلام الله عليك أستاذي الكريم، تحيات حارة من أخيك سي محمد كهول، نحن الايتعماريين أبناء الأم الحنون، ما ذنبها ونحن هجرناها، تركناها شبه وحيدة، المنازل مهجورة، والأراضي مهملة، والأشجار قد اندثرت، والحيوانات والمواشي كذلك قلت، أما الوديان فقد جفت، أمنا تبكي حزينة تنادينا بأعلى صوتها، وتنتظرنا بأحر أشواقها، لكن كل من خرج من حضنها نسي حنانها، نسي الأيام الجميلة، نسي الورود والأزهار التي أفرشتنا إياها، نسي حليبها ولبنها، أمنا أيت عمار لم تبخل علينا ولهذا وجب علينا الاعتراف لها بجميلها، ونرجع إليها ونعانق بعضنا بين أحضانها دون عجرفة أو تكبر كي نلقي البسمة على وجهها، وندخل الفرح و السرور في قلبها، نعيد لها ولو القليل من أيامها حيث المسارب و المسالك مملوءة بالمارة هناك من يمتطي مطيته، وهناك من يمشي على رجليه، أستاذي الكريم أين هي أقداح الشاي، ثغاء الخرفان، خوار البقر؟ وا أسفاه، وا حسرتاه، إخوتي أبناء أيت عمار هلموا لعناق أمكم إننا نجري خلف عقارب ساعة الزمن وهي تدور بسرعة، قد لا ينفعك الندم يا من سولت لك نفسك شراء سكنى في الدار البيضاء أو الرباط أو سلا أو تمارة أو عين العودة أو ...يوم تصبح عجوزا غريب الأهل و الديار، فمن يجالسك؟ ومن يحاكيك؟ قد تتعطش لشروق شمس الصباح، وغروب مساء أيت عمار، أنا واحد من أبناءها احتضنتني سبع سنوات فقط، والآن عمري أربعون سنة لكن أعدك أيت عمار كل الوعد بالرجوع إن شاء الله إليك والعيش بين سواعدك، إن كان يوم فهو يوم، وإن كان شهر فشهر، وإن كان عام فعام وإن كان ما بقي من العمر فذاك.

      


    votre commentaire
  •  

    الدجاجة اللعينة

     

     

     

     ... " قفوا".."اجلسوا" ما إن نكاد نقترب من الطاولة حتى يضرب المعلم سطح مكتبه بعصاه ضربة مدوية أن قفوا، فنستجمع من جديد أجسادنا الصغيرة المتهالكة للوقوف في حركة واحدة ومنتظمة.. كان يمشي جيئة وذهابا أمام السبورة وهو يلهو  بعصاه بكلتا يديه، تارة يوقفها فوق كفه، و تارة فوق سبابته، تقرفصتُ فوق الطاولة الخشبية واضعا رأسي فوق ذراعي المتشابكين، ومن حوالينا خيم صمت رهيب يكسره بين الفينة و الأخرى طنين الذباب، و وقع أقدام المعلم، كانت كل نوافذ الغرفة مسدودة مما كان يحبس نظراتنا الطائشة التي كانت تبحث عن منفذ للانفلات بعيدا، أو قل كانت كل ما نملكه من حرية في ذلك الظرف، التصق نظري ببعض الصور الملصقة على الحائط: نجار في محترفه، صورة لقناص يصوب بندقيته نحو سرب من الحجل وبجانبه يقعي كلبه في أهبه و استعداد، لوحة لفتاة تفترش الأرض المعشوشبة في وداعة وحبور، تضرب بخمارها على رأسها ومن وجهها الدائري تنبعث رائحة البداوة والبراءة، من حواليها قطيع أغنامها  يلتهم الأعشاب الرطبة من على ضفاف الغدير، والخراف الصغيرة  تقف مشدوهة أمام صورها المتكررة في الماء، خيوط الشمس تلثم أجنحة الفراشات فتجعلها أكثر تلونا ولمعانا..كانت مليكة تكبرني بسنوات عديدة  تزيد على العقد، فتاة في زهرة  العمر، يافعة وبشوشة لا تفارق البسمة محياها، كانت تملأ أرجاء الوادي طربا وهي تتغنى بأحلام شبابها الغض بصوت رخيم تخترق أصداءه الأفاق البعيدة، تردد أغان تداولنها الفتيات في مثل سنها في ذلك الزمن مثل:"مُول لْمَا"، " العَوْد البَرڮِي"، "أَشْ جَا يْدِيرْ"..

       كنت أحيانا أجلس وراء ظهرها ألهو بشعرها الأسود الفاحم المنسدل على كتفيها و المشرب برائحة الطلي ورائحة الدخان، ثم ما أفتأ أغفلها فأسل واحدة منه..تزوجت مليكة فيما بعد، آنها لم أكن أعرف للزواج معنىً، ولما لم أعد أراها، وطال غيابها، سألت أمها في سذاجة : "متى تنتهي مليكة من الزواج؟"  فما كان منها إلا أن أتبعتني بضربة موجعة  بطرف نعلها وبوابل من الشتائم..

       ضرب المعلم سطح مكتبه بعصاه، ضربة أعادتني بعنف من ذكريات الأمس القريب

    ـ صالح!

    ـ حاضر أسْ

    ـ أين البيضتان؟ نهض صالح بخطىً متعثرة، و وضع بيضتا الدجاج فوق المكتب

    ـ و أنت يا علي، كالعادة، أتى الضر على كل دجاجكم؟!! أخرج إلى السبورة.

    كان علي يقول لنا بأنه يفضل الضربات الموجعة لعصا المعلم على لعنات أمه وشتائمها طيلة أسبوع بأكمله.

       واصل المعلم جمع فيئه، و تراكم البيض، وقنينات الحليب واللبن، وبعض كويرات السمن المغلفة بالبلاستيك الأسود، على سطح مكتبه، كما امتلأت أرجاء السبورة  بالقامات المجهدة لمن جاء صفر اليدين، في انتظار عقاب وشيك.

    ـ و أنت يا أحمد، أين الدجاجة؟ قالها المعلم بنظرة استهزاء وسخرية وهو يحاول رفع رأس أحمد بعصاه واضعا إياها تحت ذقنه، كانت الخيبة والخوف وبعض الدموع تملأ وجهه، كنت أجلس بجانبه، لم أكن أحسن حال منه  إذ سرعان ما تملكني الذعر، وازدادت دقات قلبي وتمنيت لو أخترق الجدران الإسمنتية للقسم لأنفلت إلى الخارج.

      مال ميزان النهار نحو الزوال، وبدأت شمس الربيع أكثر حرارة كلما اقترب وقت الحصاد، الحقول المترامية على مد البصر بدأت تخلع عنها رداء الخضرة رويداً لترتدي آخر يأخذ من الذهب لونه وبريقه، أصوات العصافير: القبرة، ابن درس، السمانى، وطائر الحمام البري ،الذي عاد للتو من رحلته الشتائية، تملأ الجو بهجة وحبورا، وضعت المحفظة جانبا و أخرجت من جيبي الكُريات الزجاجية الصغيرة المختلفة الألوان، ثم انهمكت في رسم خط أفقي علي الطريق المترب وغير بعيد عنه ببضع خطوات مثلث صغير، كان أحمد يلف  الدجاجة المكتوفة بردائه، وانغمسنا في لعب "اللْبِيّْ" في جدال كل منا يحاول ربح كريات الآخر.

      حمل أحمد رداءه كان خاليا إلا من بعض الريش العالق به، امتقع لونه و رماني بنظرة استفهام واندهاش دون أن ينبس ببنت شفة، كنت منهمكا بعد كرياتي إن كانت قد زادت أو نقصت..اندس بقامته الصغيرة وسط حقل الشعير عله يعثر للدجاجة على أثر، وابتلعته المسالك الصغيرة، منحني الظهر ومن الفوق لا ترى غير حركة السنابل  تحاكي حركته.

      وقْع أقدام ثقيلة، يقترب مني بسرعة، تسمرت مكاني.. التفت برفق وخوف، كان على بضع خطوات مني يسبقه ظله الطويل، عريض القامة، خشن اليدين، بجلبابه الصوفي المتقادم، والذي بالكاد يتجاوز الركبتان.

      كنا نحن الصغار الصداع الذي ينخر رأس علال بدءاً من استواء الزرع إلى حين حصده، لذلك كان يضبط بتدقيق وقت غدونا ورواحنا، حيث كنا نعيث فسادا في كل الحقول التي تخترقها طريقنا إما بحثا عن أعشاش العصافير، أو للظفر بالسنابل الحبلى بالحبوب..

      أخفيت محفظة أحمد تحت إبطي، وتظاهرت بالمشي وكأن شيئا لم يحدث، تفحصني علال بنظرة شك وغيظ، تمنيت لو أن أحمد بقي مكانه، فكرت في إعلامه، بإطلاق بعض الصفير لكني خفت من ألا يفهم الأمر..

      مشى علال بتبختر وسط حقله بضعة أمتار وهو لا يكاد يخفي  غيظه  حينما رأى المسارب  التي خطتها أقدامنا داخله، ثم توقف فجأة مثل الفزاعة، لست أدري إن كانت رجلاه قد قادتاه بالصدفة نحو الدجاجة، كل ما أدريه هو أن أحمد لما سمع قوقأتها أرهف خطاه وتسلل بلطف لكي لا تنزعج منه..

     ـ الآن ظفرت بك يا ابن الكلاب، ستؤدي الثمن عن الكل..

    أمسك علال بيده اليسرى عنق أحمد، وبدأ ينهال عليه باليمنى دون رحمة أو هوادة، بضربات موجعة وعشوائية..

    ـ لم تعد تكفيك السنابل، الآن تجرؤ على سرق الدجاج!  استسلم أحمد لصراخ مرير تقطعه بين الفينة والأخرى بعض الكلمات التي يخنقها البكاء، فيما كنت قد جريت بعيدا للإفلات بجلدي.

    ـ طيب سأغفرها لك اليوم، أما غدا فسيكون حسابك عسيرا، وتكون الأخيرة!!

    لم يجد أحمد بد من إفشاء حقيقة الأمر، على الأقل، لينتهي بالمرة من أمر المعلم لأن هناك أمور أخرى مازالت في الحسبان، مع أبيه أولا حينما سيستوقفه علال في السوق الأسبوعي ويتهمه أن ابنه أصبح من سُرَّاق الدجاج، ومع أمه ثانيا حينما ستعلم أنه ضيع الدجاجة! تمنيت لو أقصاني من حديثه، لو لم يذكرني، لو لم أكن معه البتة..واسترسل يدقق الأحداث بصوت مبحوح، ونبرات متقطعة إلى أن قاطعه المعلم وقد جن جنونه: فقط لم تأت بها، إنما تواصل السخرية بي.. ثم واصل موجها الخطاب لي هذه المرة: وأنت!!

     خرجنا إلى السبورة معا، وجهت بعض النظرات الخاطفة نحو بقية القسم، كانت بعض البسمات المحتشمة مرسومة على شفاه البعض، لست أدري إن كانت فرحا بالنجاة، أو شامتة بنا..

    ـ مُدَّ يَدَك!

    واحد، اثنان..

    ـ عَيْشَكْ أَسْ

    ثلاثة، أربعة..تسعة، عشرة.

    عدت مكاني لا أكاد أحس يداي، أمسكت بالعوارض المعدنية للطاولة مستجديا من برودتها قليلا من الهدوء، وما أحسست إلا وأحمد يتضور على مقربة مني ويبكي بصوت مسموع..

    <script type="text/javascript"> var gaJsHost = (("https:" == document.location.protocol) ? "https://ssl." : "http://www."); document.write(unescape("%3Cscript src='" + gaJsHost + "google-analytics.com/ga.js' type='text/javascript'%3E%3C/script%3E")); </script><script type="text/javascript"> try { var pageTracker = _gat._getTracker("UA-5964337-1"); pageTracker._trackPageview(); } catch(err) {}</script>

    votre commentaire


    Suivre le flux RSS des articles de cette rubrique
    Suivre le flux RSS des commentaires de cette rubrique