• المقطرنة

    المْڮَطْرْنَة

    يحكى أنه كان في قديم الزمان في إحدى بلاد العرب رجل تاجر يدعى التاجر امحمد،وكان له زوجتين عاقرتين، وأخرى أنجبت له سبع بنات، فحز في نفسه أن لم يرزق بنسل ذكر يرث اسمه، ومكانته، وجاهه من بعده، فحبلت زوجته الولود مرة أخرى وقبل أن يجيئها المخاض بأيام قلائل عزم الدوار على الرحيل لبلاد أخرى حيث المرعى، فاستغلتها الزوجتين العاقرتين فرصة للتخلص منها، فقد خفن ان تلد ذكرا هذه المرة  فتصبح أكثر حظوة منهما، وتصبحان مثل خدمها، فوسوستا لزوجهما وقالتا له : ان حملها لا يختلف عن سابقيه وهذه أمور تعرفها النساء، فلا تمني نفسك بما لا يمكن أن يكون ، واستمرتا في شحنه ضدها، فقرر هجرها و تركها هناك دون معين ولا مؤونة، إلا ما تركته  نساء الدوار لها شفقة منهن عليها، حيث عمدت كل واحدة إلى دفن خبزة أو خبزتين وسط الرماد، أو بيض أو سمن.. بعد رحيلهن.<o:p></o:p>

    وبقيت هناك، في تلك الأرض المليئة بالوحوش والضباع ..إلى ان جاءها المخاض فالتجأت إلى إحدى المقابر القديمة وسلمت أمرها للعلي القدير الذي لا يخيب سائله والملتجأ إليه، وتضرعت إليه بإخلاص، فاستجاب دعاءها وسخر لها عفريتة من الجان كانت تسكن المكان، فأعانتها على ميلادها وطردت الذئاب والضباع عنها، فأنجبت ولدا جميلا به شامة بين عينيه كأنها الياقوتة.<o:p></o:p>

    أما غريمتيها فقد فرحتا بالتخلص منها ولا شك أنها ماتت جوعا وعطشا، أو افترستها الذئاب الضُرَّمِ وافترست معها وليدها، وأما زوجها فإنه ندم على فعلته، ومن يدرى ربما كان ذكرا ما ببطنها، فأرسل أحد خدمه يطلع خبرها ويرى ما كان من أمرها، وقال له : ان وجدتها ولدت طفلا فاصحبها وراءك، وعندما تشارف الدوار لوح لي بحزامك ، وان ولدت بنتا فلوح لي بعصابة راسك، وان كانت قد أكلتها الضباع أو هلكت جوعا فعد من حيث ذهبت، فذهب الخادم على بغلته يطوي المسافات الطوال إلى أن وصل للمكان القديم للدوار، فرأى زوجة سيده وفي ظهرها رضيعها، فاقترب منها وسألها عنه إن كان ولد أو بنت، فقالت له: إنها طفلة، فارجع إلى سيدك ودعني وشأني، لكنه أبى إلا ان يستيقن الخبر، فأخذ الطفل من ظهرها بالقوة وتيقن منه، ثم أردفها وراءه  وقفل راجعا عند سيده ليزف له البشرى، ولما شارف على الدوار فك حزامه وبدأ يلوح به، فأقام التاجر امحمد الأفراح، وذبح الذبائح، وعزم العزومات مدة ثلاثة أيام، ورفع منزلة زوجته فأصبحت الآمرة الناهية، مما أغاظ الزوجتين الأخريتين فبدأتا بالتفكير في حيلة للتخلص منها ومن ولدها حتى يصفو لهما الجو مرة أخرى ..فقالتا بينهما : نقتل الطفل  ونرميه بعيدا، وإذا اكتشف أمرنا ؟ نقتلهما معا، لا هذا ليس بحل، و استمرتا في الحل والعقد إلى ان مرت بهما عجوز شمطاء عابرة سبيل فرأت أمرهما و توسمت شرهما، فانضمت إليهما وإلى ما تخططانه، و أفتت عليهما رأيها قائلة : لا تقتلوه، لكن دعوها حتى تستغرق في نومها، ثم خذا الطفل و اقطعا من خنصره واطليا فمها من دمه وكل ملابسها، وفي الصباح قولا بأنها افترسته، وسآخذه معي  ولن يسمع له خبر، وفي الليل فعلتا كما قالت لهما، و أخذت الطفل و ذهبت لبلادها البعيدة..<o:p></o:p>

    لما استفاقت الأم في الصباح  وجدت نفسها مضرجة بدماء ابنها ولم تجد له أثر فبدأت تبكي وتصرخ ، فسألتاها عن حالها فقالت لهما بأنها لم تجد ابنها ولا شك أن الذئاب افترسته وهي نائمة، فقالتا لها : ليس في هذه البلدة ذئاب إنما أنت التي افترسته، انظري ففمك مازال مطلي بالدم وأسنانك، يا غولة ، يا غدارة..واستمرتا في تعنيفها وهي مستسلمة لبكاء مرير إلى أن جاء التاجر امحمد فرأى وسمع و حزن حزنا شديدا، وانطبق عليه فخ زوجتيه، فأمر بعقاب زوجته عقابا أبديا، بأن أمر بحلق رأسها وطلاه وسائر جسدها بالقطران، ولبست خرقا بالية ورثة  وأصبحت تأكل مع الكلاب  وتنام في خيمة متسخة وبالية لا تقيها برد الشتاء ولا حر الهجير، وتقضي يومها في رعى الإبل، وحينما تدخل الجمال في العشي فإنها تمر فوق خيمتها، فتبنيها من جديد، أما الأطفال الصغار فلا ينفكون  يرمونها بالحجارة كلما رأوها وينادونها الغولة فراسة الأطفال، وشاعت في الدوار باسم " المْڮَطْرْنَة ".هذا ما كان من أمرها.<o:p></o:p>

    أما ما كان من أمر ابنها فإن العجوز تبنته، وأصبح مثل ولدها، فشب وترعرع في أحضانها، إلى ان جاء يوم حدث  فيه شجار بينه وبين أحد رفاقه  فسبه وقال له : لو كنت شهما وشجاعا لما بقيت عند تلك العجوز و لفتشت عن والديك ان كان لك والدين يا لقيط، فانقلب الضياء في وجهه ظلاما لما سمع  ذلك، ورجع عند أمه العجوز فال لها : لقد هلكت جوعا يا أماه، واني اشتهي عصيدة الشعير التي تحسني صنعها، فقامت لتوها وهيأت له طبقا كبيرا، فقال لها : ألا تأكلين معي يا أماه؟  فلما دنت يدها لتأكل أمسكها منها و غمسها في العصيدة المحرقة فبدأت تصيح وتعوي من الألم، لكنه لم يخلصها وقال لها: الآن أريد معرفة أبي وأمي  ومن أكون..، فحكت له القصة من أولها إلى آخرها، فغضب غضبا شديدا لكنه حمد الله على نجاته ونجاة أمه من شر تينك الأفعيان، وأقسم بان لا يرتاح ولا يهنأ له بال حتى يجد أهله ويطلع على حقيقة أمره، فحمل أمتعته و زاده، وصحب معه كلب سلوقي، و اصطاد ذئب وجعلهما في رباط واحد وانطلق يبحث عن أبويه، وكان كلما مر بدوار من الدواوير إلا واجتمع عليه أهله لرؤية ذلك الوفاق العجيب بين الكلب والذئب فيقولون له متسائلين : "عْجْبَكْ يا عْجْبَيْنْ وَاشْ الذِّيبْ والسّْلُوڮِي فِي مُرْسَينْ ؟" فيرد عليهم: "  عْجْبَكْ يا عْجْبَيْنْ وَاشْ  لَمْرَ تْفْرْسْ وْلَيْْدْهَا؟ " فيجيبونه بالنفي، فيعرف من خلال ذلك انه ليس دوار أبيه، و استمر على تلك الحال من دوار إلى دوار ومن منطقة لأخرى إلى أن وصل لدوار التاجر امحمد  فوجد امرأة ترعى الإبل فقالت له لما رأته :  "عْجْبَكْ يا عْجْبَيْنْ وَاشْ الذِّيبْ والسّْلُوڮِي فِي مُرْسَينْ ؟" فأجابها : "  عْجْبَكْ يا عْجْبَيْنْ وَاشْ  لَمْرَ تْفْرْسْ وْلَيْْدْهَا؟ " فتنهدت تنهيدة عميقة كادت تزهق روحها من خلالها وقالت له : أنا هي يا سيدي، فعرف أنها أمه ولم يعرفها بنفسه، وحكت له حكايتها من الأول إلى الآخر، وليس في الإعادة إفادة،  ثم تركها وانصرف يقصد دار التاجر امحمد، فخرجت إحدى زوجتيه فقال لها : قولي لزوجك إني غريب عابر سبيل أطلب ضيافتكم، وألتمس جودكم وكرمكم و نوالكم، فأخبرت زوجها في الحال فخرج إليه ورحب به، فمن عادات العرب إكرام الضيوف، وإلا أصبحت سبة على من لا يفعل ذلك كما قال الشاعر يهجو البخيل الذي لا يكرم ضيوفه:    قَوْمٌ إذَا اسْتَنْبَح الأضْيَافُ كَلْبُهُمُ X قالوا لأمهم بولي على النار<o:p></o:p>

    وفي العشي لما همت الإبل بالدخول رآها تمر فوق خيمة المْڮَطْرْنَة فقال للتاجر امحمد : عار عليكم ان تفعلوا بهذه المسكينة هذا وفي حضوري، سأكون أنا من يبنيها،  ثم سمع بعد ذلك احدى زوجتي أبيه تناديها (أمه) لتأكل مع الكلاب فعظم ذلك في عينيه وقال : ان أكلت هذه المرأة مع الكلاب فسأقاسمها عشاءها ، وأتركها سبة لكم  وسيقال التاجر امحمد يعزم ضيوفه مع كلابه .. أما الزوجتان فقد استشاطتا غضبا وأرسلا لها اللحاظ الشزراء تباعا وتهددتا وتوعدتا في نفسيهما، ولكم جاء العشاء  أجلسها قربه، وغسل يديها وكان برا بها، وفي الليل أمر بتسخين قدرة من الماء فاستحمت بها، وألبسها بعض ثيابه وقال لها : إن رأيت ابنك فهل تعرفينه ؟ فقالت : إن خنصره مقطوع وله شامة بين عينه تظهر كالياقوتة  كلما بسط وفرج ما بين حاجبيه ، فأراها ما بقي من خنصره، وفرج عن حاجبيه فتراءت شامته، فقالت له : كأنك هو، وعانقته، وبكت بكاء الفرح وطول الفراق . <o:p></o:p>

    ولما بدا الصباح، وأضاء بنوره  و لاح، استيقظت الزوجتين  فلم ترين المقطرنة مع الجمال فذهبن إلى خيمتها لاستطلاع أمرها، فلمحتا ابنها و رأتا خنصره المقطوع،  فانقلب الضياء في وجهيهما ظلام، لأن انكشاف أمرهما غدا وشيكا، أما هو فإنه لما استفاق قصد التاجر امحمد، ومعه أمه، وقال له : يظهر لي أنه كان لك ولد وأن هذه المرأة افترسته، و أنا أشك في ذلك، ولقد جبت بلدانا كثيرة ولم أسمع مثل الذي حدث، وربما كان ذلك من تدبير حاسد لك أو لها، فرد عليه : ماذا ينفع  وسهم القدر قد نفذ، وتنهد تنهيدة كبيرة ، فقال له : ربما كان ابنك ما يزال حيا يرزق وأنك تسرعت في إنزال عقابك على هذه المسكينة، والآن أريدك ان ترسل في طلب كل بناتك، والعجوز الفلانية وسيكون لي معك شأن. ففعل ما قاله له وحضرت العجوز و البنات وقال لوالده: كيف ستعرف ابنك إن كان ما يزال على قيد الحياة، <o:p></o:p>

    - له ياقوتة بين عينيه وجوهرة بين سنيه، وخنصره مقطوع.<o:p></o:p>

    فأراهم خنصره وفرج بين حاجبيه فأبان عن شامته.. وحكت لهم العجوز كيف أخذته، وأنها خافت عليه من أن يلحقه الأسوأ من زوجتي أبيه.. فعانقه والده  وأخواته، أما زوجتي أبيه فقد أراد زوجهما عقابهما لكن ابنه وأمه  سامحاهما على فعلتهما، وندمتا ندما شديدا، وعادتا للرشد بعد الغي، واجتمع الشمل وعاش الجميع حياة سعيدة إلى أن أتاهم هازم اللذات ومفرق الجماعات، معمر القبور ومخلي القصور، أما أنا فخبيرتي مشات مع الواد و أنا بقيت  مع أولاد الأجواد، وسألقاكم إن شاء الله في حجاية جديدة. <o:p></o:p>

     

    <script type="text/javascript"> var gaJsHost = (("https:" == document.location.protocol) ? "https://ssl." : "http://www."); document.write(unescape("%3Cscript src='" + gaJsHost + "google-analytics.com/ga.js' type='text/javascript'%3E%3C/script%3E")); </script><script type="text/javascript"> var pageTracker = _gat._getTracker("UA-5964337-1"); pageTracker._initData(); pageTracker._trackPageview(); </script>

  • Commentaires

    Aucun commentaire pour le moment

    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :