• شلالة ريش

    شْلاَّلَة رِيشْ<o:p></o:p>

    يحكى أنه كان في قديم الزمان، وسالف العصر و الأوان رجل ذو مال كثير وخير وفير وكان له ابن مقامر، وفي أحد الأيام قرر ذلك الرجل أداء فريضة الحج، وكان ذلك يستغرق أياما وشهورا، فترك ماله وعياله في ذمة ابنه، و أوصاه بهم، لكن الابن ما إن ذهب والده حتى انغمس كعادته في القمار، فقامر بالبهائم، ثم الأثاث، ثم الدار، بل رهن حتى أهله، وأفلس إفلاسا تاما، ولما اقترب موعد عودة أبيه وبدأت الناس تعد العدد لاستقبال أهلها من الحجاج قال في نفسه : لئن مت خير لي من أن أواجه أبي بهذا الوجه وهاته الحال، فقرر الرحيل إلى حيث لا رجعة، ولما أضناه المشي جلس يستريح تحت ظل أحد الأشجار، و أطرق يفكر ويلوم نفسه على تفريطه في مال أبيه، وبينما هو كذلك إذا به يسمع وقع أقدام كبيرة تقترب منه، فرفع رأسه فإذا به أمام غول عظيم الخلقة فانزعج منه وصعق لهول منظره، فقال له الغول : ماذا تفعل هنا أيها الشاب الوسيم في هذه البلاد القفراء التي لا يسكنها إلا الغيلان أمثالي، فحكى له، بعدما هدأ روعه، قصته كلها من الأول إلى الآخر، فرد عليه الغول : لا تحمل هما ولا غما، خذ هذه الكأس و ارجع إلى  جلسات القمار وأدرها ثلاث مرات فإنك ستربح كل الرهانات، لكن اقطع علي وعدا بأن ترجعها إلي بهذا المكان حينما تبلغ مرادك ومرامك.<o:p></o:p>

    فوعده بذلك وقفل راجعا، ولما وصل فعل ما قاله له فاستعاد كل مال أبيه و فدى ذويه ..ولما بدأ الحجاج بالعودة ذهبت الناس لاستقبالهم، فلما  لاقوا أباه أخبروه بخبر ابنه و بتفريطه في كل المال ورهنه للنساء و الأطفال، فانقلب الضياء في وجهه ظلام، وقال في نفسه :" سأنتظر حتى أتحقق مما قيل، وإن لم يأتي أحد لاستقبالي فسأهيم على وجهي  في أرض الله الواسعة" وظل ينتظر حتى نفذ صبره بعد ان انصرف كل الحجاج مع ذويهم، وفجأة بدا في الأفق غبار ولاح  فخرجت من وسطه صربة من الفرسان يقودها ابنه، جاءت لاستقباله، فعانق الابن أباه وهنأه بالسلامة وعادا إلى الدوار فأقاما الأفراح و العزومات ..وبعد مضي أسبوع أو أسبوعين  تذكر الوعد الذي قطعه على الغول بأن يرد له كأسه، فانطلق يقطع المسافات للقائه فوجده بانتظاره خلف تلك الشجرة، فناوله الكأس وهم بالرجوع، لكنه استوقفه قائلا: لا تنصرف، فإن كنت قد خدمتك لتسترد مال أبيك الذي ضيعته على موائد القمار، فإن لذلك مقابل عليك أن تدفعه، وجميل عليك أن ترده، وما الدخول إلى الحمام مثل الخروج منه، فأدرك من خلال ذلك حيل الغول وخبثه، وعرف أن طريق عودته لأهله-ان كانت هناك في الأفق عودة- سيطول وقال : وما علي فعله لرد صنيعك ومكافأة معروفك؟<o:p></o:p>

    - اتبعني وسأريك ما عليك فعله.<o:p></o:p>

    وسار به حتى أوقفه أمام ربوتين عاليتين فقال له : عليك ان تساوي هاتين الربوتين مع ما انبسط من الأرض قبل مغيب شمس هذا اليوم، ثم تركه وانصرف، وكان للغول سبعة بنات تتسم صغراهن بالحكمة و الدهاء و العدل، ولما علمت من أبيها بأمر"سي محمد"  انسلت، دون أن يعلم بها(أبوها)، لرؤيته، فلما وصلت وجدته مطرقا يبكي ، فأشفقت منه، ووقعت في حبال غرامه وعرفته بنفسها، ونبل أخلاقها، وجور والدها وسوء نيته، وحاولت تهدئة روعه ، فقال لها : كيف لي أن أهدأ ووالدك أعطاني ما لا يطيقه بشر، أن أسوي له تينك الربوتين، فقالت له : لا تحمل في نفسك هما، وأدار ت خاتم حكمتها، فإذا بالربوتين لم يبق لهما أثر، وقالت له : لا تقل لأبي إني مررت من هنا حتى لا ينكشف أمري ويعرف سرك فتكون حجته قوية لقتلك وملء معدته من لحمك ودمك، وفي الغد قم في الصباح وقف عند رأسه وقل له أن يعطيك عملا آخر، فإنك إن لم تفعل فسخ العقد وأكلك، ثم ودعته و انصرفت لحالها، ولما جاء الغول في المساء اندهش لما رأى من أمر الربوتين، واغتاظ لتأجيل وجبة شهية بعدما منى بها نفسه طيلة يومه.<o:p></o:p>

    في صباح اليوم التالي استيقظ "السي محمد" من نومه فحمل المعول و المجرفة (البالة) و وقف عند رأس الغول وهو لا يزال يغط في نومه وقال له : اعطني عمل اليوم فأنا على أتم استعداد، فذهب به إلى مكان الربوتين وقال له : أريدك ان تعمل لي في هذا المكان "غلة بلا وقت" قبل مغيب الشمس، وتركه وانصرف، فقال في نفسه "واشؤماه كيف لي في يوم واحد ان أزرع ما أزرع ويؤتي أكله.." وأطرق يبكي حظه التعيس، فجاءته بنت الغول في مثل وقت الأمس فرأته على تلك الحال، فحاولت مواساته، وأخبرها بما طلبه منه أبوها، فأدارت خاتمها فإذا بالمكان تحول لبستان تتضارب فيه صنوف الفواكه والخضار الصيفية منها و الشتوية من مشمش وبطيخ وجزر وقرع وطماطم وبرتقال وموز وتفاح ..ولما جاء الغول في المساء رأى ما طلب حاضرا واغتاظ مرة أخرى، وفي اليوم الموالي  ذهب به إلى شجرة عالية صماء صعب تسلقها أو حتى التفكير في  ذلك فقال له : اصعد هذه الشجرة وفي منتهاها ستجد بيض "الريح في الريح" عليك ان تحضره قبل الغروب، وتركه وذهب لحاله، فحاول جهد إمكانه تسلقها لكن عبثا فما يكاد يمسها حتى ينزلق ويهوي أرضا، ثم سلم أمره إلى الله، ولما جاءت بنت الغول كعادتها  أشارت بخاتمها نحو الشجرة فانحدرت حتى أصبحت في متناوله  فأخذ البيض لكنه كان بيضا عاديا، فقال لها : انه بيض ليس له من الريح شيئا، لكنها بذكائها وفطنتها أخذته وثقبته وأسالت محه فأصبح كله خاويا إلا من الريح، وفي صباح الغد جمع الغول سلة (شْلاَّلَة) وعدل(شْوَارِي) من الريش  واقتاده إلى مكان به شوك كثير وريح قوية فنثر ذلك الريش وقال له بأن يجمعه كله قبل المغيب، فكان كما قال الشاعر:<o:p></o:p>

    وَحَظِّي مِثْلَ دَقِيقٍ فِي أَرْضِ شوْكٍ نَثَرُوه×وَقَالُواْ لِحُفَاةٍ فِي يَومِ رِيحٍ اجْمَعُوه<o:p></o:p>

    وبدأ يجري وراء الريح كالمجنون إلى أن دمت قدماه ونفذت أنفاسه، فجاءت ابنة الغول كعادتها وأدارت خاتم حكمتها وجمعت كل الريش وأعادته إلى مكانه وقالت له : إن أبي لا محالة سيكتشف أمري معك فيؤكلك ويقتلني، لذلك  سنهرب في الظلام إلى أرض  يصعب عليه منالها والوصول إليها فنعيش بسلام، ولما جن الليل ذهبا إلى الإسطبل وقالت له : هنا يوجد عود الريح وعود البرق وسرج الريح وسرج البرق، فاختر ما سنركبه، فحمل سرج البرق و وضعه فوق عود الريح لكنه سقط لتوه لأنه لا يطابقه،  ثم بدله بسرج الريح  فركبا وانطلقا في جنح الظلام.<o:p></o:p>

    أما الغول فإنه، لما استفاق في الصباح  ولم يجدهما، قد استشاط غضبا وتهدد وتوعد، وعرف أن الأمر دبر بليل،  وازداد غضبه حينما لم يجد عود الريح، فأدرك أن ذلك كله من تدبير ابنته وأنها هي التي كانت تقوم بتلك الأعمال التي كان يقترحها على" سي محمد"، فأردف زوجته على عود البرق وعزم على اللحاق بهما، ولما اقترب منهما هو زوجته  التفتت ابنته إلى الوراء فإذا بها ترى في الأفق طلائع برق ورعد فقالت : انظر يا"سي محمد" وراءك ، فقال لها : رعد وبرق لا محالة مدركنا، فردت عليه : ما ذلك ببرق ولا رعد إنما هو أبي  في عقبينا، وإنه مدركنا ولكي نتحاشاه سأتحول إلى بستان وأنت صاحبي، وحينما يمر بك أبي، فتظاهر بالبلادة والغباء، فلما مر به الغول وزوجته وجداه يعمل في بستانه بحيوية ونشاط ، فسلما عليه لكنه رد عليهما : الدّْلاَّعْ فْرَنْكْ و نُصّْ ، فقال الغول لزوجته : إن هذا البستاني غبي وبليد ولا يمكنه أن يخبرنا بخبرهما، وانصرف يبحث عنهما في المناطق المجاورة ..أما هما فلما اطمئنا على سلامتهما واصلا المسير، لكن الغول جد في اللحاق بهما من جديد ، ولم داهمهما تحولت إلى محراث فأخذه رفيقها(سي محمد) وبدأ يشق به الأرض شقا، فلما رآه أبوها بادره بالتحية، فرد عليه ببلادة وسذاجة : تَانْحَرْثُوُاْ فِي الفُولْ، فقال لزوجته : إن هذا الحراث أغبى من سابقه، و رجعا إلى بلاد الغيلان بعدما أضناهما البحث و أنهكهما وهذا ما كان من أمرهما.<o:p></o:p>

    أما ما كان من أمر السي محمد وابنة الغول فإنهما  واصلا المسير قاصدين أرض والده، ولما وصلا  فرح بهما أبواه فرحا شديدا، وطلبها للزواج على سنة الله ورسوله، فأجابته إلى ذلك وقالت : إياك ان تترك أحدا يقبلك في جبينك فإني قرأت في خاتم حكمتي ان تزوجتك  سيصيبك ذلك بنسياني ..<o:p></o:p>

    فتزوجا و أقاما الأفراح وذبحا الذبائح وعزما العزومات، وانسابت بهما الأيام، وطابت لهما الحياة، وأنجبا طفلتين جميلتين، إلى أن جاء يوم  جاءت فيه عمته لرؤيته فوجدته غارقا في نومه فخشيت إزعاجه فقبلته في جبهته، ونفذ القضاء و القدر، ولما استفاق من سباته لم يعد يذكر شيئا مما حدث له  بما في ذلك زوجته وبنتيه، وكأن شيئا لم يحصل فترك منزله وهام على وجهه.<o:p></o:p>

    كان في الدوار ثلاثة صعاليك، ولما رأوا الزوجة بقيت وحيدة مهجورة ظنوا بها الظنون، وسولت لهم أنفسهم الخبيثة الظفر بها والتمكن منها، فجاءوها كل واحد على حدى، دون أن يعلم أحدهم بالأخر، مهددين متوعدين ان هي لم تجب سؤلهم، وهم لا يعرفون أنها غولة ابنة غول، لكنها لم ترد استعمال قوتها معهم لنبل أخلاقها، إنما استعملت حيلتها وحكمتها لتفادي شرهم، فقالت للأول بان يذهب لمنزله ويحضر لها العشاء ويأتيها به، وقالت للثاني بأن يسقي لها الماء، وقالت للثالث بان يأتيها بعد ان يستحم، فأما الأول فكان كلما طها العشاء وفاحت رائحته إلا ووجده وكأن لم تمسسه نار، فظل يطهو إلى الصباح.. وأما الثاني فإنه كلما ملأ الدلو من البئر وأصعده إلا و وجده فارغا وليس به قطرة ماء، وبات على تلك الحال الليل كله، و أما الثالث فكان كلما هيأ الماء وأسخنه إلا و وجده نجسا، وبقي كذلك إلى أن لاح الصباح، وشاع حديثهم في الدوار، وسمعه السي محمد  فدفعه الفضول إلى تلك المرأة لمعرفة أمرها وكشف سرها، فطرق بابها ولما رأته عرفته وأدخلته بيتها وهو لا يعقل شيئا أو يتذكره وجاءت بنتاه  لعناقه والمرح معه .. ثم بعد ذلك أخذت وعاءا من الماء البارد وضربته به بقوة وعنف استرد بعدها كل ذاكرته ، فعانقها وعانق ابنتيه وعاش الجميع حياتا سعيدة إلى ان جاءهم هازم اللذات و مفرق الجماعات، أما أنا فخبيرتي مشات مع الواد و أنا بقيت مع أولاد الأجواد، وأضرب لكم موعدا إن شاء الله في حجاية جديدة.

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>


  • Commentaires

    Aucun commentaire pour le moment

    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :