• خديجة


    خديجة<o:p></o:p>

     

    <o:p>

     

    </o:p>

     


    أطلقت ساقي الصغيرتين للريح وسط المراعي الخصبة في عنفوان الطفولة ورعونتها ومرقت خديجة ورائي مروق السهم إلى الرمية محاولة الإمساك بي، كنا نعدو الواحد تلو الأخر، ولم تكن تلك غير لعبة من بين أخريات نتسلى بها طوال النهار، و كانت بقرتانا الصفراويان تلتهمان في دعة ما تركته المناجل من سنابل قابعة وسط الهشيم.  <o:p></o:p>

           كانت خديجة تكبرني ببضع سنوات، وكانت وحيدة جدها، والشمعة التي تضيء أرجاء خيمته، لست أدري كيف أتت ولا أين ولدت، كلما كنت اعرفه أنها كانت رفيقة صباي،  وكانت تجمعنا أيام اللعب والمرح المشربة بالبراءة و الفضول. <o:p></o:p>

           لم يكن يفرقنا غير ليل بدا للتو يسدل رداءه الأسود رويدا على الحقول والمراعي، ولطالما أنسانا اللهو ظلمته إلى أن أيقظتنا نداءات العم بوعزة، أو شبح أختي و خشخشات قدميها. <o:p></o:p>

          وجدت العم بوعزة مسجيا وسط الخيمة الصغيرة والناس متحلقين حوله في صمت رهيب  قبلت وجهه المجهد المكدود، أحسست أنفاسه، التي خبت أو كادت،  تلامس وجهي كأنها تودعني ..   <o:p></o:p>

          بعد لحظات قليلة تسلل من أعماق الصمت صوت، "إن الرجل يحتضر"، و تبعته أصوات الصراخ  و العويل مدوية من الخارج، ثمة أحسست بشيء ما تغير، أو على وشك أن يتغير، اقشعر جسمي واستبدت بي رغبة في البكاء، ياللضياع!    
          خرجت للتو أفتش عن خديجة، كنت أخترق جمع البواكي بقامتي الصغيرة يمنة ويسرة علني أجدها، أرهفت السمع لكن عبثاً، إلا من صراخ حزين بسط للتو صداه على الحقول والمراعي المجاورة، ووجوه كالحة تمتلئ غبارا ودموعا، خرجت من الجمع وكلي جيشان وددت آنها ان أطلق العنان لحنجرتي للصراخ أو للبكاء لكن شيئا ما كان يسد حلقي ويمنعني حتى من الكلام، وبجانب السور المحيط بالخيمة كانت خديجة تقبع وحدها أمام بقايا فرن طيني، وجدتها تبكي بمرارة اقتربت منها لم أتمالك نفسي وانفجرت بالبكاء، عانقتني ببراءة وأحسست دموعها الساخنة تجري في وجداني وتحفزني للبكاء أكثر فأكثر، كانت تلك اللحظة آخر عهدي بها قبل ان تختفي في دهاليز الزمن، ويغيبها الفراق إلى غير رجعة.  <o:p></o:p>

    كانت عيناي زائغتين وهما يتابعان موكب العم بوعزة الذي راحت تبتلعه التلال، وتبتلع معه آخر أطياف خديجة أيضا، ومن حوالي خيم الصمت والفراغ إلا من خوار الصفراء وهي تقاوم قسوة فراق مراعيها، وقسوة حبل ربط بعنقها ليقتادها إلى المجهول، وقسوة عصا غليظة مافتئت تنهال عليها؛ لست أدري لماذا يذهبوا بها ولا إلى أين كلما كنت أعرفه هو أن أيام خديجة انتهت وأنه لا مراعي و لا صفراء .. ولا خديجة بعد اليوم. <o:p></o:p>

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>


  • Commentaires

    1
    rohbladi
    Mercredi 14 Avril 2010 à 00:07
    تحية عطرة وسلام حا لكل الآيت عماريين ، إن هذه لقصة جميلة جدا وحساسة ، عندما قرأتها تأثرت بها فلم أشعر حتى نزل الدمع من عيني ، فذكرتني بقصتي المماثلة لهذه القصة ، آنذاك ست سنوات ، فكان والدي يعمل عند رجل بقبيلة ( الزكارة ) برعي الماشية ، فوقع سوء تفاهم بينهما ذات يوم ، وكان الحل النهائي هو الفراق و رجوعنا لآيت عمار بعد مدة خمس أو ستة أشهر، كان لذلك الرجل الذي كان يعمل له والدي طفلة ، وكان كذلك لا يفرقنا إلا الليل وأحيانا يجمعنا نفس الفراش ، وكان الفراق ذلك اليوم صعبا جدا ومرا ، ومن ثمة لا أدري و لا أعرف ما فعل بها الزمن .
    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :