• ربيع بلادي

    ربيع بلادي<o:p></o:p>

     


    Voir taille réelle

    حينما يسقط المطر، وتتفجر الينابيع من أعماق الأرض المعطاءة، وتخرج الشمس، وقد غسلها ضباب الصباح، مثل ياقوتة من كيس بخيل، فتبسط دفئها على أزهار الربيع الحالمة والتي بدأت للتو تتفتح، وحينما تتفرقع في الحقول بنادق الصيد، ويطلق الطفل الصغير العنان لنايه وحنجرته فيملأ المراعي بهجة وحبورا.. وتطل أولى البراعم الفتية تكللها قطرات الندى المتلألئة؛ حينها تعم الفرحة القلوب، وتعشوشب ربوعها الخالية، وتملأ البسمة الوجوه البريئة للناس في أيت عمار، ويهيئون أولى أطباق"الخُبَّيْزَى"، أو " البَقُّولَة" - كما يحلو لأناس المدينة أن يسموها- ممزوجة بالحليب وبعض التوابل، وتلبس أحلامهم ألوان الربيع، وألوان قوس قزح العائم وسط الرذاذ، أحلام تكبر وتتفتح كشقائق النعمان، أحلام بالخصوبة، والبقاء، والاستمرار. <o:p></o:p>

     أما الجدول الصغير فقد جرت مياهه عذبة رقراقة مستمدة من أشعة الشمس الدفء و اللمعان، وعلى ضفافه الصخرية نشرت الملابس وبعض الزرابي المغسولة، و امتزجت كركرات الأطفال بصدى خريره الصادح، وفي مرايا عيونه الصافية  تتماوج الصور الطفولية وتتحول إلى ذكريات تلاحقنا في الزمان والمكان ..طفل يرى صورته في الماء هادئة وجامدة، وبالكاد يعرفها حتى تنط ضفدعة صغيرة، فتتحول الصورة إلى دوائر تكبر وتبتعد، يحاول مطاردتها واللحاق بها، تأتي أمه تنتشله من البركة وتقول له "لا تعاود النظر إلى الماء فإن الشيطان سيجرك من جديد"، تتشابك الخيوط في رأسه، هل ما رآه صورته؟ أم صورة شيطان خطف براءته الطفولية ليوقع به؟<o:p></o:p>

      في الربوة المجاورة يقبع الشيخ الكبير في أبهة وعنفوان يحكي للصغار عن مغامرات زمن ولى، وعهد تقادم إلا من ذاكرته التي مازالت تعاند النسيان، فتنساب حكاياته فتية وطرية طراوة أعشاب الربيع الحالمة بالتوريد والإزهار، تربط ماض لدغته أفاعي الاستعمار بحاضر أخفت أحلام الطفولة عمق جراحاته.<o:p></o:p>

     وفي المساء تمتزج حمرة الأصيل بحمرة شقائق النعمان، وتمسح أسراب الطيور، بأجنحتها، وجه الشمس الغاربة، أما البهائم فقد أخذت طريقها نحو الرواح، والخراف الصغيرة تعدو وتقفز بقوائمها الرطبة وقد أنعشتها رطوبة المساء، ومن حواليها تنبعث رائحة المراعي، أما الليل فله طعم من نوع خاص حيث نقيق الضفادع المشرب بزغرودات الوزغة المتعالية، وحيث النجوم العائمة وسط  العيون الصافية للوادي، وحيث الطفل الصغير يرنو إليها في دهشة و خوف ظنا منه أنها "عْوَيْشَة قُنَيْدِشَة".<o:p></o:p>

     

    <script type="text/javascript"></script> <script type="text/javascript"></script>


  • Commentaires

    Aucun commentaire pour le moment

    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :